السفير المصري يرمي بحصة صغيرة علّها تحرّك المياه السياسية الراكدة
برزت الأسبوع الفائت جملة من المعطيات توّجت بوجود رغبة داخلية وخارجية بضرورة نفض الغبار عن الملف الرئاسي الموضوع منذ مدة طويلة على رف الانتظار. بداية هذه المعطيات ما كشفه السفير المصري علاء موسى، عن ان عجلة «اللجنة الخماسية» تستعدّ للإقلاع من جديد في رحلة البحث عن مخارج للاستحقاق الرئاسي العالق منذ ما يقارب السنة وعشرة أشهر في عنق التجاذبات السياسية الداخلية وافتقاد الإرادة الدولية الجديّة في معالجة هذا الملف، وبذلك يكون السفير موسى رمى ببحصة ولو صغيرة في المياه السياسية الراكدة. المعطى الثاني تمثل في زيارة قام بها السفير السعودي وليد بخاري الى مقر الرئاسة الثانية في عين التينة ولقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان يستعد في نفس اليوم لإلقاء خطابه في الذكرى الـ46 لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه. ما سمعه الرئيس بري من سفير المملكة لجهة استعداد «الخماسية» للتحرك مجدّدا على خط الأزمة الرئاسية شجّعه على إعادة طرح ما كان طرحه في 31 آب من العام الماضي لجهة العودة للحوار أو التشاور لأيام معدودة يليها دورات متتالية بنصاب دستوري دون إفقاده من أي طرف كان.
وما كاد الرئيس بري ينهي خطابه حتى إنبرى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع نيابة عن الفريق المعارض الى رفض مبدأ الحوار قبل انتخاب رئيس للجمهورية وهو بذلك يضع العربة أمام الحصان وليس العكس، وقد رسّخ هذا الأمر في اليوم التالي خلال الخطاب الذي ألقاه في معراب، وهو ما يوحي ان لا نيّة لدى هؤلاء بمغادرة مربع التعطيل في ظل مراهنتهم على حدوث متغيّرات ما على مسرح الأحداث في المنطقة.
أما المعطى الخارجي فهو عودة الاهتمام الفرنسي بعد انكفاء لأشهر بالملف الرئاسي من خلال عودة رأس الدبلوماسية الفرنسية السابق جان إيف لودريان الى التحرك من البوابة السعودية حيث أجرى مشاورات مع مسؤولين سعوديين بغرض المساعدة على إيجاد مخرج ملائم ينهي الشغور الرئاسي، الذي يعطّل المؤسسات الدستورية في لبنان.
وإذا كان من المتوقع أن تعود «الخماسية» الى نشاطها في وقت قريب، فانه لم تصل الى مسامع المسؤولين على حد تعبير أحد الوزراء أي إشارات يمكن التأسيس عليها لإحداث خرق في جدار الأزمة، لا بل ان ما طرحه الرئيس بري والرد السلبي عليه من المعارضة يؤكد ان كل طرف ما زال يتمترس وراء مواقفه، ان كل شيء ما زال على ما كان عليه في الأشهر السابقة، مما يدلُّ على اننا سنبقى أمام حالة من الانتظار ستمتد الى العام المقبل.
وما يعزّز هذا الاعتقاد في تقدير الوزير نفسه ان الأفق الداخلي ما زال مقفلا، والعامل الخارجي غير متوافر لتقديم المساعدة لأسباب كثيرة منها، أن الإدارة الأميركية منصبّة اهتمامتها على الحرب في غزة واليوم في الضفة، ناهيك عن انشغالها بالتحضّر للانتخابات الرئاسية في مطلع تشرين الثاني المقبل، والتي ستكون انتخابات لا مثيل لها في الولايات المتحدة بفعل الكباش القوي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وهو اشتباك تؤكّد مسار الأحداث بأنها لن تنتهي بشكل طبيعي، وهذا يعني ان انتخاب رئيس من عدمه ليس أولوية الآن لواشنطن.
وفي رأي مصادر سياسية متابعة أن غالبية الدول الممثلة في «الخماسية» لا تستطيع فرض حل على الداخل اللبناني، وبذلك لم يبقَ أمام اللبنانيين إلّا الجنوح باتجاه الحوار، وخصوصا ان الرئيس بري فصل مسألة انتخاب الرئيس عن الحرب في غزة والجنوب، وبذلك يكون قد أعطى إشارة واضحة لمن يعنيهم الأمر أن لا حل إلّا بالحوار، وأن اللبنانيين وحدهم يستطيعون إذا صفيت النوايا أن ينتخبوا رئيسا توافقيا بمعزل عما يجري في المحيط، غير ان رغبة رئيس المجلس شيء، ونوايا الآخرين الرافضين للحوار والتشاور شيء آخر مختلف تماما، ولذلك فان الوضع السياسي ما زال «معصلجاُ» وهو ما سيمدّد أمد الفراغ الرئاسي أشهراً إضافية، إلّا في حال طرأت مستجدات ما بدّدت المناخات الحالية ومنها على سبيل المثال وقف الحرب في غزة والتوصل الى تسوية شاملة.