Site icon IMLebanon

جهود بري تحول دون انهيار الحوار هل يتفق عون وجعجع على تحييد لبنان؟

لو لم يكن الرئيس نبيه بري من يقدّم مصلحة لبنان على كل مصلحة لما استمر الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” في ظل القصف الكلامي العنيف المتبادل. وإذا كان ربط النزاع قد سهّل تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام فان الحوار لم يتوصل إلى “ربط الألسن” وهو بند من بنود جدول أعماله. وإذا كان فلتانها لم يؤثر على سير الحوار فلأن كلا الحزبين يحرص على تجنب حصول فتنة ليس أسهل من إشعالها في لبنان بعدما اشتعلت في عدد من دول المنطقة، عدا أن ما يمنع اشتعال فتنة هو قرار دولي يحمي لبنان منها، وبات ابقاء لبنان حياً له الأولوية على أي أمر آخر.

أما الحوار بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” فهدفه التوصل في نهاية المطاف الى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية بعد الاتفاق على شكل الجمهورية، واذا كان قد حصل تقدم في رسم شكل الجمهورية، فإن أي تقدم لم يحصل بعد حول مواصفات رئيسها لأن العماد ميشال عون لم يقرر اتخاذ موقف نهائي في هذا الشأن بمعزل عن “حزب الله” وعدم انتظار توقيع الاتفاق النووي الايراني ليصبح انتخاب الرئيس من صنع لبنان وليس من صنع أي خارج. وعندما تصبح الجمهورية التي صار الاتفاق عليها بين الحزبين من دون الاتفاق على رئيس لها، فهذا يصبح كاتفاق أهل البيت على لون الاثاث والجدران ويظل الخلاف على شكل سقفه ليبقى البيت غير صالح للسكن، أو كذاك الذي حاول معالجة المرض فقتل المريض…

الواقع أن اشتداد الخلاف بين السعودية وإيران على نحو غير مسبوق سينعكس سلباً على الوضع في المنطقة ولا سيما على لبنان ويجعل الانقسام حاداً بين اللبنانيين كما في الماضي عندما حوّل انقسامهم لبنان ساحة مفتوحة لصراعات النفوذ والمحاور. فكما ينقسمون اليوم بين من هم مع ايران ومن هم مع السعودية، فقد انقسموا في الماضي بين من هم مع “التيار الناصري” ومن هم ضده، ومن هم مع التنظيمات الفلسطينية المسلحة ومن هم ضدها، ومن هم مع بقاء القوات السورية في لبنان لتستمر الوصاية على لبنان، ومن هم ضد بقائها. وقد أفضت تلك الانقسامات إلى حروب داخلية نتذكرها اليوم لمناسبة حلول شهر نيسان ونتمنى ألا تعاد. وقد كانت حروباً من تدبير خارجي ولها أهداف تقسيمية من خلال تخويف المسيحيين بالفلسطينيين وتخويف الفلسطينيين بالمسيحيين… فهل تؤدي شدّة الخلاف بين السعودية وإيران إلى مزيد من الانقسام بين اللبنانيين قد يفجّر حرباً جديدة على أرض لبنان أو يكمل حلقة الفراغ الشامل فيتكرّر في لبنان ما حصل في اليمن؟

لقد اتفق الزعماء المسيحيون في الماضي على الوقوف ضد المد الناصري عندما خافوا أن يذوب كيان لبنان في كيان الجمهورية المصرية بعدما ذاب فيها الكيان السوري في إطار وحدة عربية، فاجتمع الحزب السوري القومي الاجتماعي في حكومة واحدة مع حزب الكتائب رغم الخصومة السياسية والعقائدية بينهما من أجل حماية الكيان والتصدي للمد الناصري. وقام على أثر ذلك حلف ثلاثي من شمعون والجميل وإده اكتسح المقاعد النيابية في جبل لبنان. فهل يمكن أن يقوم مثل هذا الحلف بين زعماء مسيحيين لوقف المد الايراني الذي بلغت به نشوة الانتصار حد القول إن أربع عواصم دول عربية هي: بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت أصبحت تحت سيطرة إيران… وهو ما استفز السعودية ودولاً عربية فكان التحالف العربي الذي قرر التدخل عسكرياً في اليمن لوضع حد لهذه السيطرة التي ما كانت لتحصل لو لم تعمل ايران على تمويل وتسليح أقليات مذهبية في غير دولة ففرضت مشاركتها في السلطة وفي قراراتها وإلا شلّت عمل مؤسساتها حتى إذا حصل الفراغ فيها تولت الاقليات التي تكون قد تحولت ميليشيات السلطة، وهو ما حصل في اليمن لو لم يوقظ خطرها مجموعة دول عربية لدرئه.

وإذا كان الزعماء الموارنة توحدوا في الماضي لوقف المد الناصري كما توحدوا لوقف تعديات التنظيمات الفلسطينية المسلحة على صلاحيات الدولة اللبنانية وسيادتها، فهل يتوحدون اليوم لوقف المد الايراني لأنهم إذا ظلوا منقسمين فإن خطر الحرب الأهلية قد يقترب ويعود معها الدمار والخراب اللذان لا قيامة للبنان بعدهما. وبما أن لا العماد عون مستعد لأن يتخلى عن تحالفه مع “حزب الله” ووقوفه مع المحور الايراني، ولا الدكتور سمير جعجع مستعد لأن يتخلى عن تحالفه مع 14 آذار والوقوف ضد هذا المحور، فهل يتوصلان إلى اتفاق على تحييد لبنان عن كل صراعات المحاور إنقاذاً له ولكي يكون لاستمرار حوارهما معنى وجدوى، أم يتفقان على أن يظل لبنان في حالة هدنة وتهدئة في انتظار ما سيسفر عنه صراع النفوذ في المنطقة كي يبنى على الشيء مقتضاه؟ فإلى متى يظلّ عون وجعجع ينتظران ولبنان يكاد يموت بمرض الانقسامات الحادّة؟