لم تكن دعوة رئيس مجلس النواب نبيه برّي، أمس، الى اجتماع للجان النيابية المشتركة لبحث قانون الانتخاب مجرّد مفاجأة وحسب، بعد تلويح أوساطه قبل أيام بنيّته دعوة هيئة مكتب المجلس لتحديد جدول أعمال الجلسة التشريعية، وإنما انطوت على «استراتيجية جديدة» لجأ إليها «الأستاذ» في مواجهة الاتهامات التي وُجّهت إليه من باب نقضه «الميثاقية».
وإذا كان عنوان هذه الاستراتيجية «اللي ما بيجي معك تعا معو»، كما قال في مؤتمره الصحافي غير المسبوق أمس، فإن المقصود منها باختصار، على ما يقول المطّلعون على موقف برّي، إنما هو تجنّب الانزلاق الى ملعب «مضاعفة الخطاب الطائفي» بذريعة هذه الجلسة وسحب الآخرين بدلاً من ذلك الى الملعب الدستوري أي العودة الى مناقشة قانون الانتخاب في اللجان النيابية المشتركة كما تطالب الأحزاب المسيحية.
وبذلك يكون رئيس المجلس قد ردّ الكرة الى ملعب المعترضين على عقد جلسة تشريعية على قاعدة «تريدون قانوناً للانتخاب أهلاً وسهلاً تفضّلوا وناقشوه»، وهذه قاعدة تشبه الى حدّ كبير، حسب المطّلعين على موقف برّي، تلامذة في صف أبلغوا الأستاذ أنهم لا يريدون إجراء امتحان في مادة الفلسفة أو العلوم أو غيرهما، مفضّلين مادة الرياضيات، ما حدا الأستاذ الى الردّ بالمثل: أنتم مجتهدون في الرياضيات.. هذا امتحان للرياضيات».
ومعنى ذلك أن رئيس المجلس أراد وضع المعترضين على جلسة التشريع «أمام المرآة» بدلاً من الاختباء وراء ذريعة قانون الانتخاب لغايات أخرى، في وقت يدرك المعترضون حسب أوساط الرئيس برّي أنهم أعجز من القيام بأية مبادرة سياسية، سواء كانوا من ضفّة 14 أو 8 آذار، مع العلم أنه ذكّر الجميع بإمكانية اللجوء الى معادلة جديدة تنقذ الاتفاق على قانون جديد للانتخاب «طالما أن فريقي 8 و14 آذار أصبحا في مرحلة الموت السريري»، حسب كلام برّي.
وبذلك فتح رئيس المجلس الباب أمام مقاربة جديدة لقانون الانتخاب شبيهة بمقاربة الاستحقاق الرئاسي، بمعنى أنه كما تمكّن كلا الفريقين، 14 و8 آذار، من إحداث خرق في الاصطفافات السياسية المعتمدة منذ العام 2005، في الانتخابات الرئاسية، كذلك يمكنهما اللجوء الى مقاربة جديدة أيضاً إزاء قانون الانتخاب، بحيث يمكن لكتل نيابية من 14 و8 آذار أن تتوافق على صياغة مختلفة لقانون الانتخاب العتيد بدلاً من البقاء كلّ في خندقه من دون التقدم ولو خطوة الى الأمام في هذا الملف.
وهذه دعوة صريحة الى اصطفاف جديد إزاء قانون الانتخاب يمكن أن تُحدث خرقاً في الجدار المسدود في هذا الشأن، من دون أن يعني ذلك أن شيئاً مضموناً في هذا الصدد خصوصاً أن خلط الأوراق الذي جرى إزاء الاستحقاق الرئاسي لم يثمر أية نتيجة حتى اليوم.
في أي حال يبقى السؤال: ما هو مصير الجلسة التشريعية في ضوء دعوة برّي أمس الى مناقشة قانون الانتخاب في اللجان النيابية المشتركة؟
تجيب الأوساط أن موقف رئيس المجلس لم يتغيّر إزاء ضرورة التشريع، وأن موقفه أمس لا يعني تراجعه عن الدعوة الى عقد جلسة تشريعية، خصوصاً أن النصاب مؤمّن لهذه الغاية، لكن برّي أراد إعطاء «فرصة أخيرة» قبل الدعوة الى هذه الجلسة، أي فتح الباب أمام إمكانية التوافق على قانون للانتخاب، بحيث أنه إذا تمكّنت اللجان المشتركة من اختزال المشاريع الـ17 بمشروعين مثلاً يمكن إحالتهما الى الهيئة العامة والتصويت عليهما ومن ثم الانتقال الى مناقشة بنود جدول الأعمال الأخرى، أما في حال لم تبلغ اللجان المشتركة أية نتيجة فعندها لن يتردّد رئيس المجلس في الدعوة الى جلسة تشريعية بأي وقت وبمن حضر.