تصريحات برّي تؤكِّد على وجود تقاطع مصالح داخلية وخارجية يطيل عمر الأزمة
أزمة التأليف تتفاقم وعودة الحريري تُحِّرك المياه الراكدة
هناك أكثر من جهة تشارك الرئيس برّي انطباعه المتشائم وان مسألة التأليف باتت تحتاج إلى تسوية سياسية جديدة
مع عودة الرئيس سعد الحريري تحرّكت عجلة الاتصالات والمشاورات لتذليل العقد من امام الحكومة التي كلف بتشكيلها منذ ما يقارب الشهر، غير ان المشهد السياسي العام لا يحمل معه أية مؤشرات على أن مهمته ستكون سهلة، بقدر ما تؤشر إلى ان التعقيدات التي اعترضته، ازدادت بعد الاشتباكات السياسية التي شهدتها الساحة الداخلية في فترة غيابه عن البلاد، بين «التيار الوطني الحر» والحزب التقدمي الاشتراكي على خلفية تغريدة الزعيم الوطني وليد جنبلاط والتي وصف فيها عهد الرئيس ميشال عون بالفاشل، وبين التيار وحركة «أمل» على خلفية تفرّد وزير الخارجية جبران باسيل بتعيين القناصل الفخريين من دون التشاور مع أطراف الحكومة، ولا سيما مع عضو الحركة وزير المالية علي حسن خليل، إضافة إلى الخلاف المستعر بين «التيار» و«القوات اللبنانية» على خلفية الحملة المنظمة للتيار على «القوات» لاقصائها عن الحكومة التي يجري العمل على تشكيلها أو تحجيمها خلافاً لتفاهم معراب الذي نص على تقاسم السلطة بين «التيار الوطني الحر» و«القوات» في أية حكومة تشكّل بعد الانتخابات النيابية.
وإذا كانت الاتصالات التي أجراها الرئيس الحريري من الخارج مع المعنيين نجحت في احداث هدنة بينهما، فإنها لم ترس أي تفاهم أو اتفاق يفضي إلى إنهاء الخلاف القائم على توزيع الحصص داخل الحكومة، بقدر ما تُشير المواقف المعلنة إلى ان الأمور ما زالت على حالها، وازدادت تعقيداً بعد الحملات المتبادلة بينهما، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يحصل أي تبدل في موقف «التيار الوطني الحر» الرافض لتقاسم حصة المسيحيين في الحكومة مع «القوات اللبنانية» على قدم المساواة التي افضى إليها تفاهم معراب وكرسته نتائج الانتخابات، بحيث أثبتت فيها القوات قوتها التمثيلية بما يوازي «التيار الوطني الحر»، فضلاً عن انه لم يحصل أي تبدل في موقف «التيار» المُصر على عدم حصر الحصة الدرزية في الحكومة العتيدة بالحزب التقدمي الاشتراكي الذي يُصر عليها استناداً إلى نتائج الانتخابات النيابية التي فاز فيها الحزب التقدمي بكل المقاعد الدرزية ما عدا النائب أرسلان الذي ما كان ليصبح نائباً في البرلمان لو لم يترك له الحزب مقعداً شاغراً في دائرة عاليه – الشوف.
وخير دليل على انه لم يحصل أي تقدّم يشي بإمكان تجاوز الأزمة وتشكيل حكومة جديدة ما عبّر عنه رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه برّي عشية عودة الرئيس المكلف إلى بيروت من ان قضية التأليف الحكومي، تتراجع إلى الوراء بدلاً من ان تتقدّم إلى الامام، وان لا بوادر إيجابية في الأفق المنظور تشجّع على القول بأن الحكومة العتيدة ستبصر النور في القريب العاجل الذي يتمناه الرئيس المكلف ويعمل على تعبيد الطريق امامه.
وهناك أكثر من جهة تشارك الرئيس برّي هذا الانطباع، وتعتبر ان مسألة تأليف الحكومة بالغة التعقيد، وبات حلها يحتاج إلى تسوية جديدة، غير التسوية التي أتت بالعماد عون رئيساً للجمهورية وبالرئيس الحريري رئيساً لحكومة تصريف الأعمال، من دون ان تكشف هذه الجهات عن طبيعة هذه التسوية وما إذا كانت مبنية على حسابات داخلية استجدت بعد الانتخابات النيابية أم مبنية على حسابات خارجية فرضتها التطورات الدولية والإقليمية التي يعيشها العالم في هذه المرحلة، وان كانت أعادت السائل إلى التصريح الأخير لرئيس مجلس النواب والذي عزا فيه التأخير في تشكيل الحكومة العتيدة إلى أسباب خارجية إضافة إلى الأسباب الداخلية التي أصبحت مكشوفة.