Site icon IMLebanon

كلام بري للضغط على دياب أم معطيات ما بعد اغتيال سليماني؟

 

 

 

رغم عدم وجود إشارات مباشرة توحي بتغيير المعطى الدولي الذي يحث على الإسراع بتشكيل الحكومة، إلا أن الأجواء عادت إلى المربع السلبي أمس، ما وضعه البعض في إطار “التعليمة” التي أتت لتغيير المعادلة الحكومية. غير أن “التعليمة” قد تكون مرتبطة بحصص الأفرقاء وحساباتهم الداخلية وسوء تقديرهم للظروف المالية التي تنذر بمزيد من السوء، أكثر مما هي مبنية على وقائع، خصوصاً أنّ إيران وحليفها الأبرز “حزب الله” لا يزالان متمسكين بإعلان الحكومة سريعاً، خصوصاً أن الرد الايراني على الضربة الأميركية وضعتهما في خانة القوي المرن وليس المتصلب.

 

وبعد اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس، أطل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله ليرسم المشهد الإقليمي ويغيب بعده “حزب الله” عن المشهد المحلي ملتفتاً إلى التطورات الاقليمية والدولية بأبعادها وتداعياتها في مرحلة ما بعد سليماني، تاركاً الاطراف في لبنان يرسمون المشهد الحكومي بناء على تحليلات أكثر منها وقائع.

 

أوحى ما نقله النواب عن رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الحاجة إلى حكومة لمّ شمل وكأنّ “الثنائي الشيعي” عاد إلى مواله القديم بحكومة تكنو- سياسية، لكن الوقائع لدى “حزب الله” لم تكن تشير إلى هذا المنحى، ما عزز لدى البعض فرضية التمايز بين موقفي بري و”حزب الله”. ينطلق موقف الأول من تحفظ لديه على أداء رئيس الحكومة المكلف ورغبة رئيس “التيار الوطني الحر” بمصادرة الحكومة، فيما لا يزال الثاني على موقفه الداعي الى الإسراع في التشكيل ورفض رغم كل ما حصل تشكيل حكومة مواجهة.

 

وبين الموقفين تلقى الرئيس المكلف حسان دياب الرسالة والتي بدت في إطار محاولات الضغط عليه لجرّه إلى حكومة تكنو – سياسية المستبعدة من قبله، خصوصاً وأنه لا يرى مبرراً للتأخير بعد أن تقدم الى رئيس الجمهورية ميشال عون بأكثر من صيغة حكومية إستمهله الرئيس للإجابة بشأنها.

 

ثمة مخاوف لدى بعض الأطراف المعنية بالتشكيل ومن بينها الرئيس المكلف من أن يكون اغتيال سليماني شكل المعطى الذي فرض تغيير المعادلة بالنسبة الى “حزب الله”. وهي الفرضية المستبعدة من جهات تجزم أن مسرح التطورات الرئيسي سيكون العراق وسوريا فيما لبنان لن يكون في المواجهة المباشرة. وهو ما يؤكده مطلعون على السياسة الايرانية عن قرب ممن يستبعدون وجود تداعيات لاغتيال سليماني في لبنان لا سيما على موضوع تشكيل الحكومة. وذلك ربطاً بالمعادلة التي تحدث عنها السيد نصر الله حول لامركزية القرار في موضوع الرد على اغتيال سليماني لكون ايران لم تطلب من الاطراف الرد ولكل طرف ان يقدر بنفسه ما يتوجب القيام به، ولذا فإن رد “حزب الله” لن يكون في لبنان بل بالإستفادة وتكريس خبراته خدمةً للرد.

 

دلالات ورمزية “عين الأسد”

 

وضمن هذا الاطار، لا يزال أمام لبنان متسع لاغتنام اللحظة السياسية لتشكيل حكومته، فالرد الإيراني على القواعد الاميركية في العراق كان تطوراً استراتيجياً من وجهة نظر إيران وحلفائها. ووفق المصادر المطلعة على السياسة الايرانية فإن اختيار الهدف كانت له دلالاته ورمزيته العسكرية والسياسية بالنسبة الى ايران:

 

حصدت ايران أصداء إيجابية داخلية للضربة التي نفذتها ضد القاعدة العسكرية الأميركية في العراق “عين الاسد”. وهي تعتبر ان ضربتها أصابت هدفاً استراتيجياً وأهم قاعدة عسكرية، والتي تعد مركز قيادة عمليات ومنظومة اتصالات، وتشكل مقصداً للعديد من الشخصيات القيادية العسكرية والسياسية الأميركية باعتبارها قاعدة محصّنة، كان ينوي ترامب تعزيزها بطائرات حديثة.

 

بالنسبة إلى ايران، وفق مطلعين على سياستها، فإن الضربة حققت جملة نتائج سياسية كان من بينها أنها أنهت فكرة الحرب بالوكالة التي كانت سائدة في السابق فصارت حرباً صريحة ومباشرة بينها وبين أميركا، وهدفت من خلال الضربة إلى كسر الهيبة الأميركية بعد أن جاء من يتجرأ على قصف قواعد عسكرية أميركية بشكل مباشر.

 

لم يكن الرد الايراني انتقامياً فقط بل هو دخل ضمن استراتيجية سياسية وعسكرية إيرانية باتت تقوم على الرد المباشر تجاه أي استهداف. وفي حسابات طهران أنّ الرد ألقى كرة اللهب نحو الداخل الأميركي، حيث بدأت التناقضات تخرج من داخل أميركا والكونغرس والإدارة الأميركية حول عملية الاغتيال وتردداتها. ومن بين النتائج أيضاً التصويب الإيراني على ترامب باعتباره يعرّض أمن المنطقة للخطر نتيجة سياساته.

 

وهنا، يشير المطلعون على السياسة الإيرانية الى أنّ طهران تعتبر أنها كرست نفسها فاعلاً في الانتخابات الرئاسية الاميركية التي ستحصل بعد قرابة السنة تقريباً، وهي من اليوم وصاعداً ستتعامل مع القواعد العسكرية الأميركية بمثابة “أسرى حرب” في أي مواجهة مقبلة.

 

بعد عملية اغتيال سليماني مباشرةً بدأت إيران تتلقى عروضاً لوساطات تحث على التهدئة. فكان جوابها أن لا حديث قبل الرد على عملية الاغتيال. ورغم فداحة الجريمة إلا أنها لا تزال على موقفها الرافض للحرب في المنطقة وبالتالي لا ترى مانعاً من وساطات مماثلة، لكن يجب الرد أولاً بعملية موازية لحجم الاعتداء.

 

بداية قاسية في المواجهة الايرانية مع أميركا سجلها العام الجديد الذي سيُدخل المنطقة حكماً في مخاض صعب وحرب استنزاف طويلة… ربما يكون بإمكان لبنان النفاذ منها إلى تشكيل حكومة تطويق لأزماته، فهل يستغل اللحظة السياسية، أو يجد نفسه أمام مزيد من التعقيدات؟