في صدر مكتبه الخاص في القصر الجمهوري، أبرز الرئيس العماد ميشال سليمان حرصه الشديد على الدستور، «ببروزه» الفقرة (ي) من مقدمة الدستور ضمن اطار مميز، التي تنصّ على الآتي: «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك»، وكان سليمان، عند وجوب ان يعطي رأيه بأي موضوع وطني هام، يعود الى هذه الفقرة ليعرف اذا كان متناقضاً مع ميثاق العيش المشترك او غير متناقض، ليبني على هذه الفقرة موقفه، ويقيني ان تمسك الرئىس سليمان باعلان بعبدا، الذي يعتبر من اهم انجازات عهده، هو استناد الاعلان الى هذه الفقرة نصاً وروحاً.
اليوم، وفيما لبنان على ابواب اربعة استحقاقات دستورية وطنية متلاحقة، يفترض ان تتم تباعاً إن حسنت النيات اولاً، وإن رضخ المعنيون بالاستحقاقات الاربعة الى نصوص الدستور، ثانياً وخصوصاً نص الفقرة (ي) من مقدمته، يكثر الحديث عن اهمية «الميثاقية» في حياة اللبنانيين وفي عيشهم المشترك، ووجوب مراعاتها بدقة حتى لا تفقد القوانين والقرارات والمواقف والتعيينات، شرعيتها إن هي تناقضت مع ميثاق العيش المشترك، ومع مقدمة الدستور بجميع فقراته، وفي مقدم الذين يحرصون على احترام الميثاقية، ويذكّرون بها في كل مناسبة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اعاد اليها بعضاً من حقها الذي هدر سابقاً في كثير من المناسبات، ولم يتم تصويبها بعد، على الرغم من اساءتها لصيغة العيش المشترك، التي ما زالت، رغم كل شيء، تجمع اللبنانيين تحت سقف واحد، هو سقف الاصرار على هذا العيش في ظل دولة عادلة قوية، لا ينازعها احد، ولا يحدّ من سلطتها احد.
في السعي الى تمديد عمر المجلس النيابي، حرص الرئيس برّي على تحصين التمديد، بموافقة مسيحية وازنة شعبياً وسياسياً ونيابياً، احتراماً منه للميثاقية الدستورية الواجب توفّرها في مثل هذه الاستحقاقات، وقَبِل حزب القوات اللبنانية التحدي، واختار عدم الوصول الى الفراغ القاتل، وغطّى التمديد ميثاقيا، على الرغم من وجود اكثرية نيابية محترمة كانت كافية لتحقيق التمديد المعرّض للطعن بميثاقيته امام المجلس الدستوري.
المحطة الثانية بعد التمديد التي يتمسّك فيها بري بالميثاقية كان تصريحه اللافت امس للزميلة السفير، حيث اعلن بوضوح وخلافا لمواقفه السابقة التي وافق فيها نواب كتلته على مشروع قانون «اللقاء الارثوذكسي» في اللجان النيابية من ضمن حملة المزايدات يومها لاحراج تيار المستقبل، وحلفائه المسيحيين، انه لا بد من احترام الميثاقية عند البحث في التوافق على قانون جديد للانتخابات، ولذلك فهو لا يوافق على المشروع الارثوذكسي، الذي يتناقض مع الميثاقية وكان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قد اعلن في اكثر من مرة ان الشريك المسلم غير موافق على المشروع ولذلك تخلّى عنه لصالح مشروع قانون اخر توافق عليه مع تيار المستقبل والحزب الاشتراكي وهو الان في مجلس النواب ومع ذلك ما زال موقفه هذا عرضة للهجوم والاتهام من خصومه السياسيين على قاعدة «عنزة ولو طارت» خصوصا بعد موقف الرئيس بري الذي حسم الجدل حول امكانية تمرير هذا المشروع او طرحه على التصويت في مجلس النواب.
***
موقف اخر للرئيس برّي مثير ومفاجئ في توقيته خصوصا بعد تسريب اجواء ايجابية عن امكان التوافق على رئيس للجمهورية يحظى بقبول من اكثرية النواب في الدورتين الاولى والثانية ان تم كل شيء على ما يرام هو اعلانه ان للعماد النائب ميشال عون «الرأي الاقوى» في اختيار رئيس توافقي ما يعني عمليا ان العماد عون لم يعد مرشح 8 آذار وان الدكتور جعجع لم يعد مرشح 14 آذار وان هناك طبخة موضوعة على النار لاختيار رئيس توافقي يرضى به جعجع وعون وبري وجنبلاط وربما البطريرك بشارة الراعي والسؤال الكبير الذي يطرح في هذا المجال هل ان حزب الله بعيد عن مواقف بري الجديدة او هو قريب جدا منها؟