برّي لا يتقصّد حرق المراكب مع أحد واستشعاره الخطر حمله على إطلاق موجة التحذيرات
القرار الدولي بشأن الإستحقاق الرئاسي في الثلاجة والأولوية للمشهد الإقليمي الملتهب
المطلوب ترتيب البيت الداخلي لأن حفلة الجنون في المنطقة لن تهدأ قبل أشهر وربما سنوات
بقلم ح
من المؤكد أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي لم يقصد من خلال تلويحه بحلّ المجلس حرق المراكب مع القوى السياسية في البلد، كما أنه لا يسعى الى كسر الجرّة مع أحد من خلال مقاربته للعمل التشريعي في ظل الفراغ الرئاسي – مع إدراك الجميع أن العمل المجلسي منفصل تماماً عن مسألة الإنتخابات الرئاسية التي يتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية عديدة، بل إنه حاول أن يلفت الإنتباه إلى المخاطر التي تحدق بلبنان وهو المعروف عنه استشعار هذه المخاطر عن بُعد أشهر وسنوات نتيجة قراءته المتأنية لتطوّر الأمور إن كان على المستوى المحلي أو خلف البحار.
إن من يزور عين التينة في هذه الآونة يلفته حالة «القرف» التي وصل إليها رئيس المجلس من كيفية مقاربة القيادات السياسية في لبنان للملفات والاستحقاقات التي يعتبر التوافق على إنجازها أمراً ضرورياً في هذه الأيام الحالكة لبنانياً وإقليمياً، وأنه يستغرب إنعدام المسؤولية التي وصل إليها البعض نتيجة ربط الأمور بعضها ببعض بما يزيد الوضع تعقيداً في ظل غياب أي معطى داخلي وخارجي يوحي بإمكانية إنتهاء حفلة الجنون التي تعيشها المنطقة في وقت قريب وهو ما يحتّم على اللبنانيين ترتيب وضعهم الداخلي تحسباً للرياح العاتية ولزنار النار الذي يحيط ببلدهم.
إن الرئيس برّي يعي تماماً أن حل المجلس النيابي له آلياته الدستورية ومعطيات يجب أن تتوافر لمثل هذه الخطوة منعاً للانزلاق في متاهات ومخاطر جمّة، وهو تقصّد رفع الصوت ودق ناقوس الخطر منعاً لزحف الفراغ والشلل على ما تبقّى من مؤسسات في الدولة، لأن حصول ذلك يعني مسلّمة واحدة هي إنهيار لبنان ككيان، وأن الاستمرار في سياسة الغياب عن الوعي سيكون ثمنها غالياً على كل المستويات، وأن بإمكان لبنان تجنّب كل هذه الأمور في ما لو أقلعوا عن سياسة النكد والنكايات في معالجة المواضيع المطروحة التي يجب أن يُنظر إليها من زاوية مصلحة لبنان لا أكثر ولا أقل، لأن عكس ذلك سيكون بالتأكيد خراب البلد.
مصادر سياسية تلاقي الرئيس برّي في مواقفه وهي تري أن الفريقين في 8 و14 آذار مطالبان بتقديم التنازلات وتغيير السلوك السياسي القائم على النكايات والذهاب في اتجاه ابتداع صيغة جديدة في التعاطي تؤدي إلى الجلوس على طاولة الحوار والإقلاع عن ربط الأمور ببعضها والسعي الى فكفكة العُقد الموجودة في طريق الاستحقاقات والملفات المطروحة عقدة عقدة، طالما أن المناخات غير مؤاتية على الاطلاق لإنجاز هذه الأمور في سلّة واحدة باعتبار أن من بين هذه الاستحقاقات والملفات ما هو متقاطع مع عوامل إقليمية ودولية، بينما هناك ملفات محض داخلية يجب سلخها عمّا يدور حولنا والعمل على معالجتها لتسيير أمور البلد والناس خصوصاً على المستوى التشريعي.
وهذه المصادر ترى أن الاستمرار في الجلوس على رصيف انتظار الخارج هو نوع من الجنون سيما وأن المسؤولين سمعوا على لسان أكثر من زائر دولي بأن لبنان ليس أولوية في الوقت الراهن لا على الأجندة الإقليمية ولا الدولية وبالتالي إن هذا الواقع يحتّم على اللبنانيين العمل قدر الإمكان على معالجة مشاكلهم بأنفسهم كون أن الراعي الإقليمي الذي عادة ما كان يدخل على خط الأزمات اللبنانية منشغل الآن بأوضاع أكثر خطورة وسخونة، وهو من غير الممكن أن يقفز فوق كل التطورات الحاصلة في المنطقة والعمل على المساعدة في الانتخابات الرئاسية، وإن كانت بعض المواقف الدولية الخجولة التي تطلق بين فترة وفترة من دون أن تستتبع بأي حراك فعلي، كالموقف الأخير للرئيس الفرنسي أمام البطريرك الراعي حيث أبلغه بأن بلاده مستعدة للقيام بمبادرات في المحافل الدولية لتسريع إنجاز الاستحقاق الرئاسي، علماً أن الرئيس هولاند كان أوفد مبعوثاً خاصاً صال وجال في لبنان وعدة دول معنية أكثر من مرّة من دون أن يحرز قيد أنملة في التقدّم على طريق انتخاب رئيس، لا بل أنه لم يقدّم أي أفكار عملية بهذا الشأن واقتصرت مهمته على استمزاج الرأي وتقديم النصيحة لا أكثر ولا أقل، وهو ما يعني أن القرار الدولي بشأن الرئاسة في لبنان لم يتخذ بعد وهو ما زال في الثلاجة وأن على اللبنانيين المزيد من الانتظار، لأن هذا الاستحقاق لن يحين أوانه قبل إنجاز التسوية الكبرى من اليمن مروراً بالعراق وصولاً إلى سوريا.