فجأة وبسحر ساحر سقطت المتاريس التي رفعت طوال يوم الاربعاء مبشرة بحرب الخميس الغبراء، ليسهر اللبنانيون على حل دستوري لم يخبروه طوال عمر الجمهورية في «عز» صلاحيات رئيس الجمهورية الاولى في زمن «المارونية السياسية»، لتنقذ الصلاحية «البائدة» الجمهورية الثانية من فراغ كان سيقود لمؤتمر تاسيسي بحسب الكثيرين.
واذا كانت الاطراف السياسية جميعا قد خرجت منتصرة بحسب ما تبين تصريحاتها، فالرئيس نبيه بري كان اكثر الرابحين يوم اجاد لعبة الدستور فتحوط لمسألة المهل والعقد العادي والاستثنائي حاسبا اياها «عالبكلة» متنبئاً بأعجوبة المادة 59 على «السكت»، فأحرج الآخرين واخرجهم ، محررا نفسه من مواجهة اريد لها ان تكون على ارضه ووفقا لتوقيت غيره.
اما ثاني المنتصرين فهو الرئيس سعد الحكومة الذي ابعد اكثر من كأس عنه، هو الذي وضع من الاساس «اجر بالبور واجر بالفلاحة» على قاعدة ضد التمديد ومع قانون جديد بشرط اللافراغ، بعدما انقذه حليفه السياسي من مأزق انفجار حكومي ممكن باقتراحه تشكيل لجنة لبحث القانون الجديد، اما وليد جنبلاط فكان قد بشر منذ الثلاثاء بأن لا ضرورة للخوف فالحل موجود.
وحدهم العونيون في الشكل اصابوا اكثر من حجر، فالرئيس القوي استخدم حقا دستوريا لم يتجرأ اي رئيس جمهورية سابق على استعماله ليثبت الرئيس عون بالفعل نظرية الرئيس القوي القادر على «اخضاع» الآخرين بالدستور والقانون، كما انهم نجحوا في اخراج ازمة التمديد من عنق الزجاجة، والاهم ابقاء ورقة الاعتراض الديموقراطي في الشارع احتياطا للقيادة لاستخدامه بعد شهر، سواء اصابت ام خابت، على قاعدة «اللهم اني ابلغت».
مصادر سياسية مطلعة على مسار الازمة الانتخابية اشارت الى ان تعقيدات الساعات الماضية فتحت كوة في جدار الازمة سمحت بتحقيق تقدم ملموس على صعيد قبول جميع الاطراف مسودة صيغة تحتاج الى بعض التعديلات، تنكب كافة الجهات على دراستها مستفيدة من فترة الاعياد على ان تباشر الاتصالات مطلع الاسبوع المقبل، بعدما اعطت خطوة رئيس الجمهورية فسحة جديدة من الوقت، ما شكل نقلة نوعية يمكن البناء عليها للوصول الى التوافق المنتظر.
وكشفت المصادر عن ان سلة يجري بحثها تضم اعتماد الصيغة التأهيلية مقابل تعهد بتشكيل مجلس الشورى على اساس «الارثودكسي» باعتباره يمثل العائلات الروحية، فيما تعتمد النسبية الكاملة أو الانتخاب من خارج القيد الطائفي في البرلمان، اضافة الى ارساء اللامركزية الادارية، لتنتهي بذلك مرحلة جديدة من تنفيذ اتفاق الطائف، تزامنا مع اقرار بعض التعديلات على الصلاحيات الاجرائية لرئيس الجمهورية وتفسير بعض المواد القانونية، على ان تترك تلك المهمة للمجلس الجديد.
هكذا نجحت كلمة مقتضبة لرئيس الجمهورية مشفوعة برسالة مكتوبة الى رئيس المجلس بقلب المعادلات وتفكيك صاعق تفجير عشية الاعياد، مريحة الاجواء في البلد ،معيدة اللبنانيين الى هم الامن تزامنا مع ما يشهده مخيم عين الحلوة من اشتباكات، وعشية عيد الفصح عند المسيحيين في ضوء ما شهدته مصر من احداث ارهابية يوم الشعانين.
من هنا فقد ركز رئيس الحكومة خلال الاجتماع الامني الذي عقد في السراي وضم القادة العسكريون والامنيين على ضرورة التنسيق والتعاون بين الاجهزة المعنية لضمان تمرير فترة الاعياد بسلام، خصوصا بعد نجاح الاجهزة المعنية في تحقيق انجازات عديدة طوال الفترة الماضية وخلال اعياد الميلاد ورأس السنة التي انتهت الى احباط عمليتين ارهابيتين كبيرتين والايقاع بالشبكة المنفذة كاملة.
وفي هذا الاطار طمأنت مصادر معنية المواطنين الى ان كل الاجراءات المطلوبة قد اتخذت وان الجهوزية العسكرية والامنية رفعت الى 90% في جميع القطاعات والوحدات حتى صباح الثلاثاء المقبل، كما انه جرى تفعيل العمل الاستعلامي والاستخباراتي، مشددة على ان عمل المؤسسات لن يتاثر بالتغييرات الحاصلة هنا، او اشكالات هناك.
ماذا لو لم تكن صلاحية المادة 59 موجودة؟ وهل ما حصل هو مسرحية كما يحلو للبعض وصفه؟وهل تنجح سلة ما بعد انتخاب الرئيس في ان تجد طريقها الى النور؟
الاكيد حتى الساعة ان»التعادل السلبي» على قاعدة «ربّ ضارة نافعة» في ذكرى الثالث عشر من نيسان قد فعل فعله في اقناع جميع القوى السياسية بضرورة اقدامها على بعض التنازلات على بعد امتار من انفجار كاد يطيح كل شيء.