تسير حكومة الوحدة الوطنية بخطى سريعة للتفرغ إلى معالجة المسائل العالقة، بسبب التخبّط السياسي الذي أصاب الدولة بكل مؤسساتها بالشلل طوال تسعة أشهر من عمر العهد الذي وعد منذ اليوم الأول، بتحقيق ما يصبو إليه الشعب اللبناني من إنجازات تعيد انتظام عمل المؤسسات وتقضي على الفساد المستشري، وتعيد النمو العام إلى مستواه الطبيعي، وتخفف من الديون المتراكمة التي ترهق الميزانية العامة، وتضع الدولة في مصاف الدول الفاشلة، ناهيك عن تحقيق الاصلاحات البنيوية التي تشكّل الضمانة للدول المانحة للإبقاء على تعهداتها المالية لمساعدة لبنان على النهوض من عثراته الاقتصادية والاجتماعية والانضمام إلى الدول غير المتعثرة.
وأول الغيث بعد النجاح في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، كان إنجاز البيان الوزاري بعد ثلاث جلسات سريعة بشقيه الاقتصادي والانمائي والسياسي متجاوزاً بذلك كل الخلافات القائمة حول النص المتعلق بالمقاومة وسياسة النأي بالنفس والعلاقات مع سوريا، بحيث كان يعتقد الكثير من المراقبين ان مثل هذا الاتفاق من الصعوبة بمكان في ظل الانقسام العامودي الحاصل بين اللبنانيين حول المقاومة ودورها وعلاقتها بالدولة الشرعية وعلاقة الدولة الشرعية بها، وفي ظل التباين العميق حول النظرة إلى النظام السوري في ظل مطالبة فريق الممانعة الذي يحظى بقوة حقيقية داخل التركيبة الحكومية على التطبيع مع هذا النظام، متجاوزاً بذلك قرار جامعة الدول العربية وسياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها الحكومة السابقة والتي شكلت ورقة إنقاذ للبلاد من أزمة سياسية مفتوحة على كل الاحتمالات.
إن هذا الإنجاز يسجل لحكومة الوحدة الوطنية، ويؤكد بأن هناك نيّات مشتركة بين كافة المكونات التي تشكّل هيكلية الحكومة لوضع الخلافات جانباً والتصدي للمشاكل الصعبة التي بدأت تشكل خطراً على السلم الأهلي في البلاد. والمؤمل أن تترجم هذه النوايا التي عكست نفسها في البيان الوزاري وفي سرعة إنجازه بالرغم من رهان البعض على فشـل الحكومة في تحقيق ذلك بالنظر للخلافات الاستراتيجية المستحكمة بين فريق الممانعة وما تبقى من فريق «الرابع عشر من آذار» حول سلاح حزب الله ودوره كحليف استراتيجي لإيران التي لم تعد تخفي مطامعها في لبنان، كما في غيره من الدول العربية، خصوصاً وانه لا يزال أمام الحكومة الكثير من التحديات أولها تحدي محاربة الفساد وابعاد المفسدين عن التحكم بكل مفاصل الدولة، ومعالجة الوضع الاقتصادي المتردي من خلال وضع خطة اقتصادية مدروسة تضع حداً لهدر المال العام، وتجاوز الوزراء لحدود الموازنات المخصصة لوزاراتهم إضافة بطبيعة الحال إلى حل مشكلة الكهرباء التي تستنزف ميزانية الدولة بمليارات الدولارات سنوياً منذ أكثر من عشر سنوات، وهذه كلها مهمات صعبة لكنها ليست مستحيلة في حال انوجدت الإرادة الجامعة بين مكونات الحكومة والتصميم الحاد على تحقيق الإصلاحات البنيوية المطلوبة بالسرعة اللازمة، والابتعاد عن السياسة النفعية وسياسة النكايات أو سياسة ما لنا، لنا وحدنا، وما لكم لنا ولكم، وعندها لا يعود ينفع الرهان على حكومة الوحدة الوطنية أو على حكومة العهد الأولى كما يريدها سيّد العهد.