Site icon IMLebanon

رهانان في بيروت على مشهدين في دمشق

كلام في السياسة |

ماذا ينتظر كل من طرفي الصراع في لبنان؟ أيّ رهانات إقليمية أو دولية ينام على حريرها الفريقان؟ وأي مستقبل للبنان يمكن أيّاً من تلك السيناريوات المتناقضة، أن ينتج؟

في جهة أولى يبدو الفريق الآذاري وكأنه يجتاز صيفنا الحار وهو في سبات شتوي عميق. لا شيء يحركه. لا مبادرة تهمه أو مسعى يجذبه. كل الطروحات المعروضة في سوق البازارات السياسية تنتهي عند صد فريق السنيورة ومن معه.

كأن هؤلاء مطمئنون إلى ما سيأتي، عازفون عما ينبثق من موازين اللحظة. نظريتهم حيال ما بعد الاتفاق النووي باتت شبه معلنة. إنه بمعزل عن حسابات الربح والخسارة في العلاقة بين طهران والغرب، يظل الثابت والمؤكد بالنسبة إليهم أن الرياض ستخرج رابحة من هذه المعادلة. من معركة عدن إلى تراجع عادل الجبير في موسكو عن تنازل محمد بن سلمان، يرسم هذا الفريق مشهد نصره المقبل. يجزم بأن واشنطن مجبرة على تقديم ثمن للسعوديين. وهو ثمن مزدوج في رأيهم: أولاً هو ثمن تقني آني، من أجل تخفيف الضغوط السعودية على الكونغرس وتقنين موازنات اللوبي السعودي في العاصمة الأميركية ضد الاتفاق النووي. ثم هناك ثمن ثانٍ أكثر قيمة وجيواستراتيجية آتٍ لاحقاً، مفاده تحصين سعودية الثلاثي الأميركي محمد ومحمد والجبير، لمواجة طهران الجديدة وموازنتها. خصوصاً بعدما ثبت للأميركيين أن خيار تركيا قد سقط نهائياً كاحتمال لملء المقعد السني في توازن الشرق الأوسط الجديد. ولم يعد أمام الغرب إلا خيار الثنائي مصر ــ السعودية.

ويجزم الآذاريون بأنّ معالم هذا المشهد بدأت ترتسم: العراق دولة بنفوذ إيراني وأرجحية حكم شيعي. في المقابل، سوريا دولة بنفوذ سعودي ــ مصري وأرجحية حكم سني، يتواصل في الجغرافيا من دمشق إلى الرياض عبر غرب العراق. تبسيط لا تعوزه الإسنادات السياسية. يقولون إن السعودية ستمشي بأي حل سوري مطروح. أكان جنيف 3 أم موسكو 2 أم حتى مسقط 1. المهم أن يتضمن الحل بنداً واضحاً اسمه انتخابات. بعدها سيكون عاملان اثنان كافيين لحسم المعركة في سوريا: التعبئة المذهبية والمال السعودي. فيسقط النظام وتسقط التفاهمات وتنقلب الحسابات، وتنضبط دمشق ضمن الفلك السعودي. هكذا يحسب الآذاريون أن الحكم السني سيعود إلى عاصمة الأمويين. تلك العاصمة الأقرب إلى بيروت من أي مدينة سورية إليها، أو من أي مدينة لبنانية إلى عاصمة بلاد الأرز أولاً… سابقاً! فينسحب على لبنان ما يقوم في سوريا، وتنتهي المعركة هنا فور انتهائها هناك. حتى يمكن القول إن صناديق انتخابات الغوطة، هي ما سيحسم انتخابين ورئاستين ودولتين، في قمر واحد.

في المقابل تبدو حسابات خصوم الآذاريين في بيروت شبه مكشوفة أيضاً. يسلمون بأنّ الاتفاق النووي صار الحدث المؤسس لمشهد المنطقة. وأن كل ما بعده غير ما قبله. لكنهم يضيفون عناصر أخرى غير مرئية على الشاشة الآذارية. أبرزها الآتي:

أولاً، إن سلوك القوى الدولية اليوم، ليس مؤشراً دقيقاً على حقيقة مواقفها ومواقعها. فالكل في انتظار إمرار الاتفاق في الكونغرس. بعدها ثمة مربع كامل من الدول ستتغير تصرفاته: إسرائيل ستصير أكثر تكيفاً مع واقع الاتفاق. الولايات المتحدة ستصير أكثر تحرراً حيال المنطقة وعلاقاتها مع دولها. السعودية ستصير أكثر تراجعاً، وإيران ستذهب أبعد في استثمار ما أنجزته، بعد تحفظها الحالي، الذي يبرره حرصها على مساعدة «حليفها» في البيت الأبيض، في مواجهة خصومه وخصومها في تلة الكابيتول.

ثانياً، بعد عودة هذا المربع إلى طبيعة ميوله الجديدة وحقيقة أحجامه وأدواره، سيبرز مجدداً أحد أبرز الأهداف السرية للاتفاق النووي. أي محاربة الإرهاب. وفي هذا السياق سيتأكد أن التحالف الدولي ضد الظواهر التكفيرية والإرهابية، هو محرك أساسي لخريطة المنطقة وموازينها. والتحالف المذكور لا يقوم على إبداء النيات، بل على تجارب الأفعال، بحيث سيكون المحور الإيراني ــ العراقي ــ السوري ــ الحزبلاهي، بشكل ظاهر أو باطن، أساس هذا التحالف في المنطقة. لا لحسابات عقائدية، ولا بخلفيات مذهبية أو أقلوية، بل لأنه المحور الوحيد الذي أثبت قدرته على محاربة داعش وأخواتها، في وجه من قال عنهم إردوغان نفسه، إنهم جذور داعش الفكرية والتمويلية.

ثالثاً، وتطبيقاً لما سبق، يعتقد خصوم الآذاريين أنّ أي حل في سوريا، سيحفظ دور الحكم الراهن فيها. لا بل سيؤكد بقاء العمق السوري المحاذي للغلاف اللبناني بكامله، من جبل الشيخ حتى كسب، في أيدي هذا التحالف القاهر لداعش. أياً كان النظام السوري المقبل، دستورياً أو واقعياً. وهذا ما يفسر أن تكون واشنطن والغرب قد كلفا موسكو وإيران تحديداً، بلورة الحل في سوريا. هكذا تصير الصورة في بيروت، أن ما يصح على الغلاف السوري للبنان، يصح هو نفسه على العمق اللبناني لسوريا!

مشهدان متناقضان بالكامل. وأشد ما فيهما خطورة أن الفريقين متفقان على أن أشهراً قليلة ستكون كافية لبلورة أي منهما هو ما سيكون على الأرض. لكن الأخطر فيهما على الإطلاق، أن كليهما ينفي وجود الفكرة اللبنانية كما حلم بها بعض اللبنانيين، كما ينفي وجود الفكرة العروبية كما حلم بها بعضهم الآخر، حتى تقاتلا منذ قيام لبنان حول فكرتين ذاهبتين إلى الزوال…