Site icon IMLebanon

رهان «8 آذار» على تثبيت هوية الرئيس خاطئ.. ومبادرة ترشيح فرنجية وليدة ظروف لا تتكرّر

الحريري استمزج رأي جعجع يوم زار الرياض وسمع اعتراضاً على خيار يُطيح بـ «ثورة الأرز»

رهان «8 آذار» على تثبيت هوية الرئيس خاطئ.. ومبادرة ترشيح فرنجية وليدة ظروف لا تتكرّر

بقلم رلى موفق

حزب الله لن يُطيّر «فرصة ثمينة» للإتيان برئيس من محوره والخروج عن صمته ينتظر التوقيت المناسب!

الاعتقاد السائد أن مبادرة الزعيم الأول في قوى 14 آذار زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري، بطرح اسم سليمان فرنجية أحد أبرز أركان قوى 8 آذار رئيساً للجمهورية قد خبَت. تتآكل مع مرور الوقت، العدو الأشرس لها. وربما دخلت غرفة العناية الفائقة في مصير مجهول بين أن تَسلَم فتحيا أو أن تُسْلِم الروح فتُدفن.

المتابعون للتسوية يرون أن الحريري ذهب بعيداً في تقديم «التنازلات المطلوبة»، وتجرَّع الكأس المرّة في التسوية التي طرحها، حين قفز فوق طرح أسماء يُسْبَغون بسِمَة المرشحين التوافقيين، ومشى بمرشح مِن «8 آذار» الذي سيُعدّ انتخابه، ولو شكلاً، انتصاراً «ناصع البياض» لمحور (حزب الله – سوريا – إيران) الذي ينتمي إليه فرنجية، مهما سعى الحريري وشركاؤه الداخليون المعلنون نبيه بري ووليد جنبلاط إلى تجميل التسوية. وهو تالياً قام بأقصى ما يمكنه، رغم إدراكه حجم الأزمات التي سيواجهها على ضفته السياسية. فهو، بمبادرته، تخطّى، أولاً، المزاج الشعبي لدى قاعدته الشعبية وبيئته الحاضنة الأكبر في قلب الشمال، وما يُمكن أن يُسفر عنها من تداعيات ليست بقليلة.

ولعل الأخطر، ثانياً، تجاهله للمخاوف والمحاذير التي وصلت إلى مسامعه مما يمكن أن تُنتجه هذه الخطوة من رفض وإحباط يُفضيان إلى الجنوح في اتجاه مناخات أكثر تطرفاً، بدلاً من أن تُشكّل فرصة فعلية لإعادة احتواء جمهور «المستقبل» والقاعدة السنية العريضة التي آمنت بمشروع الحريري الأب وبقيت وفيّة لوريثه السياسي. وهو لم يأخذ، ثالثاً، بموقف حليفه الأساسي في «14 آذار» رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، حين لمَسَ رفضه لهذا الطرح – التسوية. فالحريري استمزج، وفق أوساط موثوق بها، حليفه يوم زار الرياض قبل أشهر عدة حول اسم فرنجية كمَخرَج لإنهاء الشغور الرئاسي وعودة الحياة السياسية إلى انتظامها الطبيعي، غير أن جعجع عاجله بالاعتراض على هكذا خيار لأنه يطيح بكل المرتكزات السياسية التي قامت على أساسها «ثورة الأرز».

ومن هنا، يذهب هؤلاء المتابعون للتسوية, إلى اعتبار أنه لم يعد مطلوباً من الحريري القيام بنقلة ثانية في إطار مبادرته، ذلك أن الكرة الآن أضحت في ملعب فريق «8 آذار». فإذا كان هذا الفريق, ولا سيما «حزب الله» الذي يُمسك بخيوط اللعبة، يَعي معنى «التنازلات الموجعة» التي أقدم عليها «زعيم المستقبل»، فإن عليه حينئذ أن يلاقيه إلى منتصف الطريق، وأن يُذلل العقبات ضمن محوره لإيصال فرنجية إلى سدّة الرئاسة. أما إذا كان غير مدرك للثمن الباهظ الذي يدفعه الحريري وفريق «14 آذار» بفعل التسوية المطروحة، فإن أي خطوات إضافية من جهة الحريري لن تزحزح «سيّد الحزب» عن قناعته، وإنْ ضاعت فرصة أن يقطن «قصر بعبدا» صديق «قصر المهاجرين»، الحليف الموثوق ابن الخط السوري – الإيراني.

والأسباب, لدى المتابعين, بضرورة أن يقف عند هذا الحد, تنطلق من احتمالات قوية بأن يكون صمت «حزب الله» جزءاً من «مناورة» كاستراتيجية يعتمدها لتحقيق مزيد من المكاسب. فبعد أن أضحى الإتيان بأحد أركان «8 آذار» أمراً مُسَلّماً به من الحريري، فإن المعركة الآن تتنقل إلى البنود الأخرى التي يُفترض أن تُشكّل السلة المتكاملة للتسوية. ويُدرج المتابعون ما يُشيعه منظرو الحزب من انتظار لأن يُعلن الحريري بنفسه - وربما من بيت الوسط - تبني ترشيح فرنجية حتى يُبنى على الشيء مقتضاه، في خانة السعي لمحاصرة زعيم «المستقبل»، بحيث يصبح أسير مبادرته المُعلنة، وفي موقع المكافح لإنجاحها كي لا يرتـدّ فشلها عليه. وسيسير، من هذا المنطلق، في مسار تنازلي أكبر، سواء في ما خص رئاسة الحكومة أو تركيبتها وأسمائها وثلثها المعطّل وكيفية عمل مجلس الوزراء، أو في ما خص قانون الانتخاب.

فما تسرّب عن «لقاء باريس» من «تفاهمات» حول تقاسم السلطة لجهة مقايضة رئاسة الجمهورية بإيلائها لـ 8 آذار مقابل رئاسة الحكومة لـ 14 آذار (الحريري أو من يُسمّيه) مع أكثرية وزارية من دون ثلث معطل وقانون انتخاب على أساس «قانون الستين» مع تعديلات طفيفة، يعني في حقيقة الأمر أن مفاعيل التسوية من شأنها أن تُعيد توازناً سياسياً في البلاد فُقِد يوم انقلب «حزب الله»، ومن خلفه راعياه الإيراني والسوري على الحريري، وتالياً على المملكة العربية السعودية التي رعت مجيء الحريري إلى سدة الرئاسة الثالثة بعد فوز قوى «14 آذار» في انتخابات 2009 على وقع فك الاشتباك مع الرئيس السوري بشار الأسد، المتهم سياسياً في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والذي بات الحريري الابن ليلته في قصره الرئاسي.

هذه المقايضة، في الشكل الذي سُرّبَت به لا سيما لجهة قانون الانتخاب، تُعطي قوى «14آذار» حظوظاً كبيرة في إعادة الفوز في الانتخابات المقبلة إذا أحسنت إدارة المعركة، الأمر الذي ينسف، في جانب كبير، هدف «حزب الله» في تحجيم الحريري سياسياً، وهو لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال قانون انتخاب على أساس نسبي يستحيل معه أن يحصد «زعيم المستقبل» وحلفاؤه أكثرية برلمانية في ظل هيمنة سلاح «حزب الله» وسطوته مع «حركة أمل» على مناطق الجنوب وجزء من البقاع، حيث يستحيل معها خوض معارك انتخابية في تلك الدوائر.

والحذر يدفع بالمتابعين للمبادرة، رغم خبوها، إلى تأكيد ضرورة تـيَـقّـن الحريري لخطورة الاندفاع في اتجاه أي خطوة إضافية، قد تحشره في زاوية  الإقدام على مزيد من التنازلات التي تُخلّ بموازين التسوية ومفهومها الذي يَفترض تضحيات من الجانبين. ومردّ الحذر يعود إلى التسليم بأن «حزب الله» لن يألو جهداً، ببراعته التكتيكية، من أجل تفريغ السلة المتكاملة من مكاسب مضمونة للفريق الخصم، ذلك أن ثمة رهانات، لا تزال قائمة، على أن «حزب الله» لن «يُطيّر فرصة ثمنية» للإتيان بمرشح من محوره رئيساً، وأن الخروج عن صمته ينتظر التوقيت المناسب لترتيب «البيت الداخلي» بين الحليفَين المُرشّحيَن العماد ميشال عون فرنجية، فضلاً عن كونه جزءاً من الوسائل الناجعة لإدارة عملية التفاوض مع الخصم.

أما رهان الحزب على أن الحريري، بطرحه فرنجية، قد رسم سقفاً ما عاد ممكناً النزول تحته، وسلّم تالياً بهوية الرئيس العتيد وانتمائه السياسي المحسوم لقوى «8 آذار» بديلاً من المرشح التوافقي، فهو رهان خاطئ، وفق المتابعين للتسوية، ذلك أن المبادرة هي وليدة ظروف وحيثيات قد لا تتكرر، مفتوحة على تلاشي فرصها التي باتت ضيّقة، وربما ضيقة جداً!