سينقضي وقت قبل أن تتبلور مفاعيل الاتفاق النووي الذي أنهى آخر فصوله في فيينا بتوقيع المجموعة السداسية وإيران مندرجاته، على العالم والمنطقة في شكل عام ولبنان على وجه الخصوص، وإن يكن الاجماع واضحاً على كون الاتفاق أرسى واقعاً سياسياً جديداً لا بد ان يفرض إعادة خلط للمعادلات القائمة معطوفة على إعادة نظر في السياسات المتبعة.
لن يكون لبنان حتماً في منأى عن تداعيات الاتفاق التاريخي، الذي إنتظره القادة السياسيون منهم بحذر ومنهم بفارغ الصبر، حتى تعاظم الرهان عليه، وعلى إسم الرئيس الذي سيحمله الى قصر بعبدا.
قوبل الاتفاق بتفاوت يصل إلى حد التناقض في توقع التداعيات سلباً أو إيجاباً. لكن ما هو أكيد وثابت بحسب قراءة أوساط سياسية مطلعة ومواكبة للمواقف الغربية من الوضع اللبناني، أن لبنان لن يكون في طليعة الدول التي ستتأثر بالاتفاق، وأن هناك أولويات في المنطقة تسبق لبنان وتضعه على قائمة الانتظار لمدة أطول.
سيكون امام المنطقة ولبنان متسع من الوقت قبل دخول الاتفاق مرحلة التنفيذ، وقبل التأكد من صدق النيات في إلتزام كل فريق مندرجاته: الاميركيون والغرب حيال رفع العقوبات الاقتصادية، وإيران حيال وقف انشطتها النووية التي على أساسها سيبدأ تطبيق قرار رفع العقوبات.
والفترة الفاصلة عن هذا الموعد والتي تمتد حتى منتصف كانون الاول المقبل حين تصدر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أداة التحقق النووي لدى الامم المتحدة، تقريرها الاول عن أنشطة إيران النووية ليصار مطلع كانون الثاني من السنة المقبلة بدء رفع العقوبات تدريجاً، هذه الفترة ستشكل محطة إختبار وجس نبض للتفاعل الاقليمي مع الاتفاق في الملفات المشتعلة في المنطقة، وفي مقدمها اليمن.
وهذه الفترة تحديدا ستكون كفيلة ببلورة الاتجاهات الداخلية لدى إصطفافي 8 و14 آذار حيال الملفات العالقة، ومدى إستعدادهما وإستعداد الراعيين الاقليمين لهما لتذليل العقبات التي أعاقت ولا تزال، إستعادة الانتظام في الحياة السياسية وفي المؤسسات الدستورية وفي طليعتها رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة.
قد يكون الحوار القائم منذ مطلع السنة بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” أهم ثمار التفاهم الايراني – السعودي، بقطع النظر عن المواجهة الحادة بينهما في بقع أخرى، من أجل تلافي إندلاع الفتنة المذهبية وإنفجار الاحتقان في الشارع. من هنا، فإن للأوساط السياسية المشار اليها قراءتها المتحفظة عما يمكن ان يحمله الاتفاق النووي في المدى القريب للساحة الداخلية.
وفي هذه القراءة، ترى الاوساط انه لا يزال من المبكر جدا توقع تغيير جذري في المشهد السياسي المحلي، مستبعدة أن يأتي الاتفاق بحل لأزمة الشغور الرئاسي، أقلّه في الاسابيع القليلة المقبلة. فالملف اللبناني لم ينضج بعد على طاولة التسويات الاقليمية، وليس بنداً أساسياً عليها. كل ما يهم الاسرة الدولية اليوم هو الحفاظ على الاستقرار وصونه، وهذا امر بات ثابتاً ويشكل سقفاً غير قابل للخرق.
أما الملف الرئاسي، فلا تزال دونه عقبات. لن تكون مسألة الدفع نحو الفراغ الكامل تمهيدا لتغيير محتمل في النظام السياسي هي السبب وراء ذلك. وقد بدا من الاجماع السياسي على رفض طرح رئيس “تكتل التغيير والاصلاح”العماد ميشال عون موضوع الفيديرالية، ان النظام القائم لا يزال يتمتع بالحصانة ومقومات الاستمرار.
تتوقف الاوساط عند إشارات وجهها رئيس المجلس نبيه بري عندما توقع أن يكون لبنان واليمن أول المستفيدين من الاتفاق، وإن يكن أقرن تفاؤله بإستبعاد أن يكون الأمر سريعاً، ذلك أن التفاهم على اسم الرئيس يتطلب تفاهما خارجيا لم ينضج بعد.
وعليه، لم تقلّل مصادر قريبة من بري أهمية حركة الاتصالات الخارجية للدفع في إتجاه توافق على مرشح رئاسي ينهي أزمة الرئاسة. وهي إذ توقفت عند زيارة وزير الخارجية الايطالي باولو جانتيلو قبل يومين لبيروت، دعت إلى التمعن في أبعادها وخلفياتها، غير مستبعدة أن تصبّ في إطار المساعي الغربية الرامية إلى إنجاز الانتخابات الرئاسية.
وإذا كانت هذه المصادر تلتقي مع الرئيس بري في تفاؤله بإمكان حصول إنفراجات في الملف الرئاسي، فهي تتريث في إندفاعتها، مشيرة إلى أن على اللبنانيين الانتظار قليلا بعد.
ويُفهم من الكلام المحيط بالاستحقاق الرئاسي أن لا خرق في الاسابيع القليلة المقبلة، من دون أن ينفي ذلك احتمال ان أيلول المقبل إنفراجاً.