تبرز قوى ٨ آذار في منبرياتها السياسية والإعلامية مقداراً لافتاً من عدم التحفظ عن رهانها على التدخل الروسي في سوريا لتغيير ميزان القوى لمصلحة المحور الاقليمي الذي ترتبط به هذه القوى. ليس في الأمر غرابة من زاوية ان هذا التدخل يشغل العالم بأسره، فكيف بلبنان وأفرقاء الصراع فيه، ولكن ما يستدعي التوقف عند ظواهر “البهجة” التصاعدية هو التهور الحقيقي في استخلاصات ملبننة “على الطاير” لا ترقى في واقعها الرصين الى الحد الأدنى من الواقعية الروسية نفسها في التعامل مع الملف اللبناني.
قد يبرر المتابع للمجريات الميدانية في سوريا دوافع “حزب الله” تحديداً في رهان لم يعد يملك سواه على التدخل الروسي بعد الايراني بعدما تكبد الحزب ضريبة دم كبيرة ولا يزال لمنع انهيار النظام السوري أياً كانت الأدبيات الأخرى التي تبرر قتال الحزب هناك. اما ان يتجاوز هذا الرهان لدى الحزب وحلفائه الخلص الساحة السورية المعولمة، فيما التدخل الروسي في طور البدايات المحفوفة بكل الشكوك، فالأمر يدلل هنا على الأقل على نزق وتسرع سياسيين قد يكونان مألوفين جداً لدى حلفاء معروفين للحزب في فريق ٨ آذار ولكنهما ليسا معتادين لديه.
لعل المفارقة الساخرة هنا ان المزايدين في “ولائهم” الروسي المستفيق حديثاً على وقع رؤية “السوخوي” تملأ فضاءات الحرب السورية لا يقاربون لا من قريب ولا من بعيد الآفاق الأبعد من حماية النظام السوري الواقف عند هاوية السقوط مثل التفاهم الروسي – الأميركي على تقاسم الأجواء السورية ومسخ سيادة هذه الدولة بأبشع الصور التي عرفتها استباحة بلد بعد تدميره على يد نظامه واعدائه سواء بسواء. كما اننا لا نسمع ولا نقرأ عن تفاهمات القيصر الروسي مع الدول الاقليمية الأخرى مثل تركيا وإسرائيل في ترتيب المسرح لصفقات ما بعد الموجات الأولى من التدخل والأبعد منها. وربما كان يمكن التغاضي عن هذا الوجه الدعائي المفرط في رهان على “سوخوي” تأتينا برئيس للجمهورية من صناعة الأوهام لولا ان الوجه الدعائي نفسه يصم آذاننا في تسديد الدروس للخصوم من فريق ١٤ آذار في “التبعية” للخارج وتحميله ايضاً تبعة الاجهاز على المؤسسات وتعطيل الدولة وشل الحكومة والمجلس وسائر قطاعات الانتاج، والحيوية في البلاد. ولنفرض جدلاً ان هذا الوجه الدعائي هو من عدة الشغل المألوفة في الصراعات الداخلية، فكيف ترانا سنصفح غداً عن انخراط المراهنين على “طائف سوري” في نهاية المطاف يزعمون ان “السوخوي” آتية لفرضه ولو بقواعد قيصرية وبغض طرف غربي، فيما يجري سفك دماء الطائف الأم عندنا منذ ١٧ شهراً والى مزيد؟ هل يعتقدون فعلاً ان الرئيس المرتجى صار ملك هذه الازدواجية الصارخة؟