IMLebanon

الرهان على «الاعتدال السني» سقط

السؤال حول دعم حزب الله لرئيس تكتل التغيير والاصلاح الجنرال ميشال عون في «معركته» الداخلية لاستعادة حقوق المسيحيين، بات سؤالا من الماضي، فلا يحتاج احد للتدقيق بمواقف قيادات الحزب للتعرف على الدعم اللامتناهي له في مواجهة، يحلو للبعض تسميتها معركة «عقلنة» تيار المستقبل لدفعه الى التواضع والاقرار بفشل مشروع «الهيمنة» على الساحة اللبنانية انطلاقا من «البوابة» السورية. ولكن لماذا يشعر «الاصفر» و«البرتقالي» ان مشروعهما يربح، فاقتضت مواكبته عسكريا بمعركة الحسم في القلمون المقدر لها ان تنتهي في وقت قريب، وسياسيا برفع منسوب التحدي الداخلي بوجه «التيار الازرق»؟

اوساط سياسية بارزة في 8آذار تشير الى ان كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العلني والحاسم قبل ساعات قليلة حول استمرار دعم موسكو للرئيس السوري بشار الاسد يمكن اعتباره خلاصة للمشهد العام في المنطقة، وخلاصة تفسر موقف محور المقاومة، فهذا التصريح جاء تتويجا لمناقشات جدية مع الاميركيين للبحث عن المخارج للازمة السورية. هذا الموقف تزامن مع اعلان واشنطن تعثر استقطاب متطوعين عرب «سنة» ضمن برنامج التدريب في تركيا والأردن، وهذا الامر بمثابة اقرار علني ان البديل «السني المعتدل» لوراثة الحكم في دمشق غير جاهز، ولن يكون جاهزا في المدى القريب، وهو بمثابة نعي اميركي للاستراتيجية التركية في سوريا، فتنظيم «داعش» الذي يسيطر على مساحة واسعة من الأراضي السورية لا يمكن للمجتمع الدولي تسويقه كبديل، والمعارضات المسلحة الاخرى ذات ميول واهداف مختلفة، ومهما أبدت من تنسيق عالٍ في المعارك الأخيرة يبقى التنسيق خاضعاً لاعتبارات الداعمين أكثر من خضوعه للضرورات الداخلية، او لاستراتيجية موحدة حول المستقبل، وحتى جبهة النصرة وحلفائها فهم غير مقبولين دولياً، على رغم ما يُفهم من رضى دولي عن انتصاراتهم الأخيرة، إنما ذلك يتوقف عند عتبة الضغط على النظام ومن المستبعد السماح بتثمير هذه الانتصارات مستقبلاً. اما الجيش الحر فلم يعد له وجود عمليا واصبح مجرد فصائل مبعثرة. اما والحديث عن انحسار سيطرة النظام على ربع الاراضي السورية فمن دون اي قيمة استراتيجية تشي بسقوطه قريبا، فالنظام وحده من يملك حتى الان سيطرة مركزية على القوات المسلحة وحافظ على هيكلية قيادية سياسية وامنية وعسكرية تجعله مؤهلا لقيادة اي عملية تحول مستقبلية في البلاد. ومن هنا لا أمل إطلاقاً بتدخل غربي جدي لاحداث تغيير جوهري في الازمة السورية عبر الاطاحة بالنظام القائم.

وبحسب تلك الاوساط، فان واشنطن لا تمارس التضليل مع حلفائها، لكن قوى 14آذار تعلق الامال على الاستراتيجية التركية – السعودية رغم درايتهم بالموقف الاميركي، وبسوء الاستراتيجية التركية، فبينما كان النائب وليد جنبلاط يشرب نخب السفير التركي في لبنان، خلال تكريم مثير للشفقة و«مقزز» لناحية استدرار عطف الاتراك لحماية الدروز. كان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يتحدث مجددا عن انعدام فرص اي تسويات دون الاخذ بعين الاعتبار الهوية الدينية للاغلبية السكانية في المنطقة، اي عاد الى القول صراحة ان لا حل في سوريا دون استلام السنة للحكم هناك، لكن اي «سنة»؟ «الاخوان المسلمين»؟ «داعش»؟ ام «جبهة النصرة»؟ ليس مهما الجهة لكن العنوان يشي ببعد طائفي يغلب الاكثرية ويضع الاقليات امام خيارات صعبة، فاما القتل والتهجير، او التخلي عن العقائد والقبول «بالشريعة الجديدة»، او التخلي عن الامتيازات لدولة تحكمها الاكثرية الغالبة والتي ستحظى بالسيطرة على مقومات النظام الجديد وفقا للنموذج التركي الذي فشل اردوغان في استنساخه في مصر وتونس وسوريا، وهو قاب قوسين او ادنى من الانهيار في تركيا.

الرهانات «الجنبلاطية» على سقوط الاسد لا تتوافق مع رؤية «الجنرال» ومعه حزب الله للتطورات السورية، وبحسب المعلومات تم ابلاغ السعوديين ان اسقاط النظام لم يعد في سلم اولوياتهم، فالاستحواذ على الساحة السورية لم يعد ممكنا، روسيا حاسمة في عدم التخلي عن نفوذها هناك وكذلك ايران، وواشنطن لن تخوض حربا «كسر عظم» على سوريا، فهي لم تكن يوما في دائرة نفوذها، نعم تستخدمها لابتزاز خصومها، لكنها معنية ايضا ألا تنتشر الفوضى السورية بحيث تهدد الاستقرار الدولي، ومعنية ايضا ألا تسيطر المنظمات المتطرفة على السلطة كما حصل في أفغانستان.

في هذا الوقت، تواجه اسراتيجية الملك سلمان القائمة على مواجهة إيران في المنطقة صعوبات واخفاقات كبيرة، فمحاولته لبناء تحالف سني يجمع تركيا وباكستان ومصر، فشلت بعد امتناع باكستان عن إرسال قوات برية لليمن ما ادى الى اطالة أمد الحرب. فنجله الأمير محمد وزير الدفاع الذي يشرف على الحرب وعده بانتصار سريع لم يتحقق رغم الغارات الجوية، فلا الحكومة عادت إلى صنعاء ولا تراجع انصار الله، بل فتحت الحرب الباب أمام التنظيمات التكفيرية لزيادة نفوذها مستغلة الفراغ الأمني في البلاد. وبعد فشل جنيف تبدو المغامرة السعودية في اليمن حربا بلا نهاية ستترك آثارها على السعودية، ففي حالة فشل الأمير محمد بن سلمان، في حماية الحدود من الهجمات الحوثية التي بدأت تستهدف نجران وجيزان ونقل الحرب إلى داخل السعودية مستلهمة «نموذج» حزب الله في حربه ضد إسرائيل، فسيتعرض للمساءلة وسيتأثر موقع وزير الداخلية وولي العهد الامير محمد بن نايف الذي لم يقض على تنظيم «القاعدة» في السعودية بل دفعه للهروب إلى اليمن واليوم بدأ بالعودة الى المملكة من خلال التفجيرات التي أعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عنها. وعليه فالسعودية بحاجة لتحقيق نصر ما لم تمنحه لها ايران في جنيف واكتشف السعوديون ان طهران التي تستعد لتوقيع التفاهم النووي مع الغرب وتستعد للخروج من العقوبات ليست في وارد تقديم تنازلات؟

وهذا ما يضع السعودية في وضع لا تحسد عليه، فاضافة الى مازقها اليمني فهي تواجه تحفظات مصرية واماراتية على استراتيجيتها في سوريا بعد ان ادت استراتيجيتها هناك الى سيطرة الجماعات الإرهابية، فمصر ابلغت السعوديين ان بقاء الاسد أو رحيله أمر يخص الشعب السوري وتصر على ان يكون التغيير عبر حل سياسي للأزمة، وقد أصرت القاهرة على استضافة اجتماع موسع للمعارضة السورية وهو امر أزعج السعودية، وكانت الرسالة واضحة «رفض مصري لإسقاط النظام بأي ثمن»، وهو ما تقوم به السعودية.

في هذه اللحظة المفصلية يدرك عون ان احدا لن يتعامل مع المسيحيين كما يتعامل مع الاكراد في المنطقة، فحتى الان تبين ان هذا المكون هو الوحيد الذي يتمتع بوضع خاص في العراق وسوريا، فالولايات المتحدة لم تتدخل جديا الا بعد تعرض اربيل للخطر، وطيران التحالف حسم معركة كوباني وتل ابيض، بينما ترك المسيحيون والايزيديون والعلويون يواجهون مصيرهم على امتداد خريطة الدولتين، وانطلاقا من هذه القناعة يعرف جيدا ان الفدرالية لن تتحقق، ولكنه اطلق تحركه الداخلي لملاقاة التحولات الاقليمية والدولية لتثبيت حقوق المسيحيين في لبنان، بالتزامن مع قيام حزب الله بعزل الساحة اللبنانية عسكريا عن ازمات المنطقة المرشحة ان تستمر طويل بفعل موازين القوى الراهنة، وبسبب الخلاف القائم بين واشنطن وحلفائها حول رؤية موحدة للتسويات. وفي الانتظار لن يسمح لتيار المستقبل بان يقطف اثماناً لا يستحقها، والمعركة اليوم هي لاقناعه بشراكة حقيقية وواقعية «تكف يده» عن التطاول على حقوق المسيحيين.