بدا من مجموعة تطورات ومواقف سياسية اخيرة ان مرحلة التعطيل التي مورست في موضوع الانتخابات الرئاسية في لبنان في انتظار ظروف افضل تسمح بايصال “حزب الله” مرشحه كانت في محلها وفق مصادر سياسية ترى ان هذا الانتظار لان الاستحقاقات المنتظرة بدأت تؤتي ثمارها. فالموقف الذي اعلنه وزير الخارجية جون كيري الاسبوع الماضي لجهة اقراره بانه يتعين على الولايات المتحدة التفاوض مع بشار الاسد وان كان تم نفيه لاحقا أو توضيح مضمونه، تمت قراءته على انه من الاشارات الايجابية أو بالونات الاختبار التي تطلقها الولايات المتحدة على سبيل تشجيع ايران على المضي في اتجاه توقيع اتفاق حول ملفها النووي. اذ ان التصحيح لا يغفل وجود اتجاهات لا تستبعد هذا الخيار ما دام بات على الطاولة من ضمن سلة الاحتمالات بعدما كان مرفوضا سابقا. هذه الاحتمالات ما لبث ان عبر عنها وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير بعد ثلاثة ايام على تصريح كيري بعدم استبعاده التفاوض مع الاسد من اجل حل ازمة سوريا.
ويندرج التقرير السنوي الذي قدمه مدير الاستخبارات الاميركية جيمس كلابر الى مجلس الشيوخ في 26 شباط الماضي وحذف فيه كلا من ايران و”حزب الله” من قائمة التحديات الارهابية التي تواجه الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ سنوات عدة في اطار الخطوات التي تعزز موقع الحزب في ما يخص لبنان مباشرة. فالتقرير الذي لم يأت على ذكر الحزب سوى مرة واحدة في اشارة الى التهديدات التي يواجهها من جماعات متشددة مثل تنظيم الدولة الاسلامية وجبهة النصرة يسبغ على الحزب موقعا يضعه في مواجهة التنظيمات الارهابية بدلا ان يكون واحدا منها وفق التصنيف الاميركي للحزب. ذلك انه في التقرير السابق لرئيس الاستخبارات الاميركية للعام 2014 ادرج الحزب ومعه ايران ضمن قسم الارهاب معتبرا ان الحزب زاد نشاطه الارهابي الدولي خلال السنوات الاخيرة الى درجة لم نلحظها منذ التسعينات. وفي ما بدا هذا التقويم مرتبطا بقوة بالمفاوضات التي تجريها الولايات المتحدة مع ايران حول ملفها النووي ومحاولة اظهار حسن نيتها بتسليفها خطوات على الطريق تحتاج الى خطوات اخرى من اجل تثبيتها وعلى نحو يظهر لايران حصولها على تنازلات مسبقا قبل انجاز الاتفاق ما يسهل عليها بيعه في الداخل، فان لهذا التقويم مفاعيله داخل لبنان. وللمفارقة فان الحزب استطاع بدء قطف ثمار اصطفافه في محور الدفاع عن النظام السوري فيما يلقى انتقادات من خصومه السياسيين في الداخل ومن الولايات المتحدة بالذات التي يعتبرها مصدر كل الشرور وذلك من خلال اعتباره يقف في الموقع المعاكس للتنظيمات الارهابية التي تتهدد لبنان. كما ان هذا التقويم يعطيه براءة ذمة ان لم يكن حافزا للمضي قدماً في ما يعتبره مواجهة التهديدات على الحدود اللبنانية السورية على غرار براءة الذمة التي اعطاها كلابر لايران في تقريره من انها لديها “نيات لكبح الطائفية وبناء شركاء متجاوبين وتخفيف وطأة التوترات مع المملكة السعودية” في حين ان النظرة الى ايران في المنطقة والتهديد الذي باتت تشكله في دول عدة تختلف كليا كما تدخّل ايران في الحرب العراقية وهو ما دفع مسؤولين اميركيين أخيراً الى التخوف من فتنة مذهبية في العراق تناقض ما ذهب اليه كلابر.
ما لا تستبعده المصادر المعنية هو ان يجري توظيف هذه التطورات في خانة الدفع نحو المزيد من تعزيز الموقع ان في ما خص موضوع انخراط أكبر أو اوسع من اجل مواجهة التنظيمات الارهابية وفق ما تم التبشير به بعد ذوبان الثلج على ما قال الأمين العام للحزب حسن نصرالله بما يسمح للحزب بقيادة هذا الاتجاه وتاليا تعزيز موقعه. كما من غير المستبعد الدفع أيضاً نحو تنسيق ما مع النظام السوري بذريعة مواجهة الارهاب ما دامت بعض الدول المؤثرة ترى ان التفاوض مع الاسد غير مستبعد. كما ان توظيفها سيجري في اطار ازالة شبح الخطورة الذي كان يمثله تحالف زعيم التيار الوطني الحر مع الحزب واثر ذلك على احتمالات وصول العماد عون الى قصر بعبدا مع تغيير التقويم الذي يتناول الحزب من جانب الاميركيين ولو انه لا يزال على قائمة التنظيمات المصنفة ارهابية التي تعتمدها الادارة الاميركية.
الا ان خلاصة هذه التطورات ان انتظار نتائج الملف النووي كان يستحق الانتظار حتى الآن بالنسبة الى فريق الحزب من حيث تسوية جملة امور على وقع نار مفاوضات هذا الملف. وفي الوقت الذي يرى البعض ان الامر قد يساعد في تطوير الحزب اداءه من أجل لعب دور أكبر في استقرار البلد، فإن كثراً ينزعون الى مشاركة مخاوف اقليمية من ان يتم التسليم اميركيا لايران بنفوذها في المنطقة ومن بينها لبنان حيث يقول المسؤولون الايرانيون انهم يسيطرون عليه كما على عواصم 3 دول أخرى. وهو الأمر الذي يجعل رهانات قوى 8 آذار على مرحلة ما بعد النووي الايراني مبررة في ضوء اعتقاد ان ايران ستقتطع لنفسها مكاسب على ناره لا بد ان تنعكس في مناطق نفوذها في ظل عدم اهتمام اميركي بالمنطقة بمقدار اهتمام ادارة اوباما بالنجاح في انهاء ملف ايران النووي وانهاء عقود من العداء معها. وتالياً فإن الانتظار يستمر مهماً من اجل امتلاك القدرة الكافية على تسييل ما يعتبره هذا الفريق مكاسب أساسية له حتى الآن.