IMLebanon

رهانات في موسم  الهرب من المفاوضات

 تعددت الوفود والأطراف الحاضرة في جنيف السوري، والغائب واحد: القدرة على صنع تسوية سياسية تترجم المتغيرات في سوريا الواقعية بعيداً من الثوابت التي صارت وهمية في سوريا الافتراضية. فالأوضاع المأسوية تفرض استعجال التوصل الى حل سياسي يوقف الحرب. وحسابات الصراع الجيوسياسي لدى أطراف الداخل والخارج تقود الى وضع أية تسوية في اطار الأرباح والخسائر الاستراتيجية، بصرف النظر عن التراجيديا الانسانية والخراب الوطني. والطاغي، حتى اشعار آخر، على موسم التفاوض المحدد عمره بستة أشهر، حسب القرار ٢٢٥٤، هو الهرب من المفاوضات.

ذلك ان ما يدور في جنيف ٣ هو محادثات غير مباشرة بين السوريين الممثلين للنظام والمعارضة عبر الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا. فضلاً عن جهود في الكواليس يقوم بها ممثلون لروسيا وأميركا والسعودية وتركيا وقطر وايران وفرنسا، سواء للحفاظ على دينامية المؤتمر، ولو بدت الحركات في الفراغ، أو للبحث عن الحصص والأدوار في نظام اقليمي جديد تبدو حرب سوريا طريقاً اليه. أما المفاوضات، فانها تلك التي تدور على الأرض في المعارك،

وتدار من غرف العمليات في أكثر من عاصمة. وأما التركيز، فانه على السجال في الهواء ورفع سقوف المطالب لدى ممثلي النظام والمعارضة الذين يخوضون معارك حامية عبر وسائل الاعلام.

والمفارقة، وسط كل انواع التدخل الاقليمي والدولي في الحرب ورسم الخطوط العامة للتسوية، هي حرص الجميع على خداع النفس والآخرين بالحديث عن حوار سوري – سوري من دون تدخل خارجي. والوجه الآخر للمفارقة هو أن الرهانات على التسوية تتعلق بحسابات القوى الخارجية. فمن العوامل التي يقال انها تدفع نحو التسوية خوف اوروبا الأمني والاقتصادي والاجتماعي من تدفق اللاجئين اليها. ومن هذه العوامل ايضا ضغوط الوضع الاقتصادي والمالي الصعب على القيادة الروسية للاسراع في انهاء العملية العسكرية بعدما حصلت روسيا على ما ارادته من ارباح استراتيجية وما سجلته من أهداف جيوسياسية.

لكن ذلك، بصرف النظر عن نسبة الصحة والخطأ فيه، ليس ضماناً لاستعجال التسوية، ولا للجدية في البحث عن حل. ومن الآن الى أن تبدو هذه الرهانات ممكنة التحقيق، فان ما يحدث هو المزيد من دمار العمران في سوريا ومن تمزيق النسيج الاجتماعي الوطني والمزيد من النازحين واللاجئين في الداخل والى الخارج، بحيث بات العدد نصف الشعب السوري.

ولا بحث جدياً في الحل السياسي قبل أن يصل كل طرف الى نهاية الطريق في الحل العسكري الذي كان ولا يزال يراهن عليه، مع معرفته ان الانتصار الكامل فيه مهمة مستحيلة. –