عن سؤال: هل يمكن اعتبار فتح جبهة الجنوب قراراً إسرائيلياً لأن “جبهة النصرة”، الموجودة على الجانبين السوري واللبناني من الحدود مع إسرائيل، على علاقة مباشرة مع الأخيرة، ولأنها صارت مثل “جيش لحد” في رأي “حزب الله”؟ عن هذا السؤال يجيب المتابعون والعارفون بالقول إن علاقة “النصرة” حتى الآن بإسرائيل فرضتها حاجتها إلى معالجة جرحى معاركها مع جيش النظام السوري أو مع تنظيمات إسلامية منافسة لها أبرزها “داعش”. لكنهم يلفتون إلى أن إسرائيل ليست جمعية خيرية، وتالياً إن تعايشاً ما قد يكون بدأ يتأسس بين الجهتين. لكنهم لا يعتقدون أنها صارت دمية في يد إسرائيل لاعتبارات كثيرة قد يكون أبرزها وجودها العسكري والسياسي في أكثر من منطقة سوريا، وتمتعها بدعم جهات عربية رسمية لا تستطيع دعم فريق عميل لإسرائيل علماً أن لبعضها علاقات غير معلنة معها، وكذلك بدعم جهات شعبية عربية لا تحتمل تحوّلها أداة إسرائيلية. كما إنهم لا يعتقدون أن التزام إسرائيل معها ثابت ونهائي لعدم ثقتها بها، ولأن ما يهمّها من كل ذلك هو إبقاء جبهة الجولان هادئة رغم بعض الخروقات تماماً مثلما كانت أيام وجود نظام الأسد على الجانب السوري فيها. طبعاً لا يعني ذلك أن “جبهة النصرة” قد تتخذ قرار التحرّك من الجولان في اتجاه مزارع شبعا الجنوبية ومنها إلى عمق الجنوب لمحاربة “حزب الله” وشعبه ومنه إلى البقاع الغربي للفصل بين شيعة الجنوب والبقاع أو بالأحرى تنفيذه إذا كانت إسرائيل لا ترى مصلحة لها فيه.
وعن السؤال الآخر المطروح في آخر “الموقف” يوم أمس وهو: هل سماح إسرائيل لـ”النصرة” بدخول الجنوب من بوابة شبعا هدفه إشغال “حزب الله” بحرب أهلية مع السنة والدروز والفلسطينيين في لبنان مع استمرار تورّط وحداته في الحرب إلى جانب نظام الأسد في سوريا، وتالياً اضعافه وانهاكه بحيث لا يعود قادراً على تهديدها مباشرة ولمدة طويلة، الأمر الذي يجنّبها خوض معركة تريدها ان تكون حاسمة معه أو تخطط لأن تكون كذلك؟ عن هذا السؤال يجيب المتابعون والعارفون إياهم فيقولون إن إسرائيل تعرف أن “حزب الله” صار جيشه كبيراً ومدرباً ومسلحاً وقادراً على خوض حرب نظامية وحرب عصابات. وتعرف أيضاً أن نسبة مقاتليه في سوريا ليست كبيرة قياساً إلى عديده. وتعرف ثالثاً أن الوحدات المخصّصة لقتالها أو لردّ اعتداءاتها عليه وعلى لبنان لا تزال في أماكنها. وذلك يعني أن استدراجه إلى حرب مذهبية في لبنان قد يدفعه إلى الاشتباك معها (أي إسرائيل) أو إلى استدراجها إلى حرب لا يعرف أحد تطوّرها. علماً أن النصر الحاسم فيها عسكرياً قد لا يكون متاحاً لطرفها الإسرائيلي لأنه غير مستعد للتضحية بآلاف الجنود من أجل ذلك، ولا لطرفها اللبناني (“حزب الله”) لأن انتصاره الأقصى يمكن أن يكون الصمود ومنع تحقيق الأهداف الإسرائيلية من الحرب كما حصل عام 2006. وجراء المعرفة المتنوعة المشار إليها فإن إسرائيل قد لا تجد مصلحة لها في إشعال حرب أهلية في لبنان علماً، تقول مصادر غربية مطلعة، أن الجزم بحاجة “النصرة” إلى ضوء أخضر إسرائيلي لدخول لبنان من معبر شبعا ليس في محله أو ربما ليس دقيقاً، وخصوصاً إذا شنّ الأسد حملة عسكرية للسيطرة على السفح الشرقي (السوري) لجبل الشيخ وتحديداً إذا انتصر فيها. ذلك أن البوابة الوحيدة التي يستطيع من ينجو من مقاتلي “النصرة” الذين يقدر عددهم بنحو أربعة آلاف الانسحاب عبرها هي التي تقودهم إلى شبعا وجنوب لبنان.
وفي هذه الحال، ورداً على سؤال “موقف” الأمس، ستجد إسرائيل نفسها مضطرة إلى أن تقرر إذا كان وجود “النصرة” وأمثالها على حدود لبنان معها وداخله وربما على حدود سوريا معها أيضاً أفضل لمصلحتها المباشرة وربما المتوسطة المدى من وجود “حزب الله” ومقاتليه. ويعتقد العارفون من عرب وأجانب أنها تفضل حدوداً وعمقاً لها لا وجود فيه لأي من الفريقين. لكن ذلك غير متيسّر. ولهذا السبب فإن وجود “الحزب “عليها يبقى أفضل في رأيها لأنه منظّم ولأنه جزء من محور إقليمي قوي تقوده دولة هي إيران الإسلامية، ولأن مهمته حتى الآن وربما في المستقبل المنظور على الأقل هي إقامة توازن ردع مع إسرائيل والرد عليها إذا اعتدت عليه أو على لبنان. وإيران التي تعتبر إسرائيل عدوتها الأولى، والعكس صحيح، ليست مغامرِة سواء بنفسها أو بمن تعتبرهم جزءاً منها.
هل يمكن تحصين لبنان ضد ذلك كله؟ وهل لملء الشغور الرئاسي فيه دور في ذلك؟ وهل يمكن ملؤه؟