تبدو المواقف السياسية متضاربة ومتناقضة إزاء تحريك الركود الرئاسي في آب المقبل انطلاقاً من التوقّعات المبنية على مؤتمر الحوار الوطني المرتقب في مطلع آب، وتصميم المعنيين «الداخليين» بالملف الرئاسي على إنجاز تسوية رئاسية بصرف النظر عن التسمية كما قال النائب وليد جنبلاط في بكركي بالأمس. وعلى الرغم من الحديث عن إمكان خرق جدار الأزمة السياسية، وليس فقط الرئاسية، فقد كشفت مصادر نيابية مطّلعة أن الحلحلة على خط انتخابات رئاسة الجمهورية لا تزال بعيدة المنال. وأوضحت أن هذا المناخ قد ترسّخ غداة زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان مارك إيرولت إلى بيروت والأحداث الأمنية التي تلتها في فرنسا، كما في تركيا. وأكدت أنه بانتظار ما ستسفر عنه جلسات الحوار الوطني المقرّرة في أوائل آب المقبل، فإن التناقض يبدو واضحاً ما بين اتجاهين سياسيين، الأول يصرّ على الضغط باتجاه تأمين نصاب قانوني وسياسي لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، والثاني يميل إلى التريّث، وترقّب ما ستؤول إليه العلاقات الإقليمية، وتحديداً ما بين السعودية وإيران، والتي ما زالت مقطوعة حتى إشعار آخر.
وبالتالي، شدّدت المصادر على أن الحصار القائم على رئاسة الجمهورية لن يُفكّ بسهولة، وذلك على الرغم من كل المحاولات والمبادرات الداخلية التي اتخذها فريق 14 آذار بشكل خاص في اتجاه فريق 8 آذار، والمقاربات الأخيرة التي سُجّلت من قبل رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع باتجاه كل من الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط منذ أسابيع.
من هنا، فإن المرونة اللافتة التي تدلّ على نجاح الوساطة مع جنبلاط، اعتبرتها الأوساط النيابية المطلعة، مؤشّراً على تصاعد حظوظ التسوية، ولكنها استدركت موضحة أن هذه المعادلة لا تكفي لتأمين الركائز السياسية للوصول إلى تأمين النصاب السياسي المطلوب لفك الحصار عن الملف الرئاسي وإجراء الإنتخابات النيابية. وأضافت أنه من المستحيل الذهاب إلى توقّع سيناريو تسوية رئاسية في الوقت الذي لا تنبئ فيه المواقف الإقليمية والداخلية بإمكان فتح ثغرة في جدار المأزق اللبناني. لافتة إلى أن وزير الخارجية الفرنسي قد عبّر بوضوح أمام كل الشخصيات التي التقاها خلال زيارته الأخيرة، عن إصرار لدى المجتمع الدولي على الضغط في كل الإتجاهات لتأمين إطار معين يسهّل توافق اللبنانيين على مرشّح رئاسي، بالإضافة إلى إقرار هذا المجتمع بأن لا قدرة للخارج على التأثير الإيجابي في لبنان، في ظل غياب القرار اللبناني الفاعل في هذا المجال.
من جهة أخرى، لم تستبعد المصادر النيابية المطلعة نفسها، أن تتكشّف هذه الأجواء السياسية في الأسابيع القليلة الفاصلة عن محطة الحوار الوطني في عين التينة، وبالتالي، تتأكد القناعة لدى كل القوى السياسية بأن إجراء الإنتخابات النيابية، ولو على أساس القانون الحالي، سيسبق الإنتخابات الرئاسية، وذلك بصرف النظر عن كل محاولات القوى السياسية للوصول إلى قانون انتخابي جديد، والتي ستصطدم كلها بحائط مسدود يعيق إحداث أي تغيير في التركيبة السياسية الحالية.
ومن ضمن هذا السياق، فإن الصورة التي رسمتها نتائج زيارة الوزير الفرنسي إيرولت إلى بيروت تتّسم بطابع تشاؤمي، على الأقل حتى الساعة، كما كشفت المصادر نفسها، والتي جزمت بأن قدرة القوى المحلية على الذهاب نحو تسوية داخلية بمعزل عن الإنسداد في الأفق الإقليمي، هي العامل التي يتكئ عليه المراهنون على احتمال حصول انفراج رئاسي في حوار آب المقبل، وليس أي عامل خارجي آخر باستثناء الدعم الدولي لإنهاء الفراغ الرئاسي، والذي يقتصر على السياق الكلامي فقط.