ليس واضحاً بعد ما إذا كانت المشاركة الروسية في الأعمال الحربية السورية يمكن أن تعجّل في حل سياسي تتقاسم فيه وارثة الاتحاد السوفياتي مع الولايات المتحدة الأميركية المصالح والنفوذ في منطقة حساسة لطالما تُرجمت في بلدانها الحرب الباردة بين قطبي العالم آنذاك، أو أن تمسك روسيا قريباً بمفاصل اللعبة السورية فتحدّ من النفوذ الإيراني لدى النظام السوري الذي بات أسير الدولة الفارسية، وتعيد رسم الخريطة بما يلائم مصالحها ويحولها المعبر الاساس لأي اقتراح حل.
وليس واضحاً أيضاً، ما إذا كان التباعد في النظرة إلى الحلول، ومحاولة فرض روسيا حلاً يناسبها بتقوية نفوذ بشار الأسد، سيربك كل حل سياسي، ويطيل أمد الأزمة السورية سنوات، وقد خبرنا التدخلات الخارجية في لبنان والتي لم تشكل مرة مدخلاً الى حل، بقدر ما أشعلت حروباً امتدت خمس عشرة سنة.
صحيح أن وضع سوريا يهمنا بكل تفاصيله، لارتباط البلدين جغرافياً. وما يحصل على حدودنا، واللجوء الى بلدنا، وانعكاسات إقفال طرق الترانزيت، وغيرها من الأمور، لا يمكننا أن نعزل أنفسنا عنها. بل اننا فعلنا أكثر، فلم نكتف برد الصدمات، إذ قرر فريق لبناني الانغماس في الحروب السورية لمصالح خاصة وإقليمية، فتحول لاعباً أساسياً ومقرراً على أرض البلد المجاور، تماماً كما كانت الاستخبارات السورية والجيش السوري عندنا زمناً طويلاً.
المهم في كل هذا أننا، وبإرادة منا، قررنا ربط مصيرنا بالوضع السوري، فبتنا عاجزين عن اتخاذ أي قرار، أو إنجاز أي استحقاق. فريق يراهن على سقوط الأسد وزوال النظام مما يعزز فرصة قيام نظام ديموقراطي يساند البلد الجار الصغير، وفريق آخر يحارب من أجل إبقاء النظام الحليف طمعا باستمرار النفوذ السوري الذي يفيد منه. فريق يراقب تدخل “حزب الله” في سوريا ويدعو له بالخسارة، وفريق آخر يشيد بالمشاركة في الحرب السورية كأنها واجب جهادي لدحر كل أنواع التدخل الخليجي. وبين هذا وذاك، صار لبنان بلا رئيس، ومجلس نوابه معطلاً، وحكومته مفككة، والنفايات تغزو الشوارع وتتراكم يوماً بعد يوم، ولا حلول ولا مسؤولية حيال المواطنين.
ويزداد في الوقت الحاضر الرهان اللبناني على المشاركة الروسية في الحرب، مما يدخلنا في مزيد من الانتظار في انتظار ترجيح كفة على اخرى. ويعني ذلك أيضاً أن كل الملفات موضوعة على الرف، وان “الزعماء” الذاهبين غداً الى الحوار، لن يحققوا شيئاً مما يطلبه المواطن اللبناني.