عشية «خميس الجلسة التشريعية» أطلّ قادة الأحزاب المسيحية لساعات بـ «لوك جديد» لم يشهده المسيحيون إلّا نادراً لكنه سرعان ما تبخّر. فثنائي «إعلان النوايا» الذي أسس لتفاهم ثنائي ظرفي بين معراب والرابية تذكّر أنّ في الصيفي موقعاً يجعله مثلثاً صلباً في مواجهة غامضة مع حلفائهما والخصوم. فكيف انقلبت الصورة؟ وهل شكّل ذلك أيّة مفاجأة؟
يرغب كثر من المسيحيين أن يصدّقوا بأنّ قادة الأحزاب المسيحية الرئيسة قد توحّدوا حول أيّ ملف من الملفات المطروحة في ظرف من الظروف من دون أن يكون أيّ منهم ساعياً الى عملية الغاء جديدة للآخر يمكن أن تضع المسيحيين في زاوية يكتمل من خلالها «المربع المذهبي – الذهبي» بأطرافه القائمة اليوم من «الوحدات المذهبية الثلاثية» الأخرى التي تجمع الأحزاب السنّية والشيعية والدرزية في لبنان.
فالقادة المسيحيون كما يقول المثل اللبناني القديم مثل «صندوق البطاطا» كلّهم من الرؤوس التي لا يمكن أن تقبل بشراكة الرؤوس. فلم يُجمعوا يوماً على خطوة ما في ظلّ الإصطفاف السنّي – الشيعي لئلّا يُقال الإصطفاف «الفارسي – العربي» الذي اغرق العالم العربي والإسلامي في السنوات الماضية من عمق الخليج العربي – الفارسي الى باب المندب وفي عمق يمتدّ من بلاد ما بين النهرين امتداداً الى شرق المتوسط فالساحل الأفريقي الشمالي في بحور من الدماء تحت شعارات مختلفة بدأت أولاً بأنّ «الشعب يريد تغيير النظام» الى أن أُلبست لبوس «الربيع العربي» من دون الإشارة الى لونه القاني الذي اكتسبه بمعارك الإبادة الجماعية وبمظهر قطع الرؤوس لإرواء الأنهر باللون الأحمر.
على هذه الخلفيات يتطلّع المراقبون بالكثير من القلق الممزوج بالخوف على مستقبل الحراك المسيحي الذي سجّلته الساعات الماضية في مواجهة لم يتوضح فيها بعد مَن هو الخصم الحقيقي في الطرف الآخر، بعدما تشعبت المواجهات التي خيضت وتخاض في قلب البيت الواحد أو ما بين أصدقاء الأمس وأعداء اليوم المؤقتين والعكس صحيح.
وعلى هامش هذه القراءة للحراك المسيحي في توقيته وشكله ومضمونه، لم يكن متوقَعاً في أوساط مسيحية أن يكون تفاهماً واسعاً ودائماً ولا من الإشارة الى المعطيات التي تجعله مرحَلياً غير قابل للإستثمار على المدى البعيد وفقاً للمعطيات الآتية:
– لم يظهر الى اليوم ما يُثبت أنّ ّإصرار القوات والتيار الوطني الحرّ على إدراج قانونَي استعادة الجنسية والإنتخاب على جدول اعمال الجلسة التشريعية يهدف الى اقرارهما والبتّ بهما فهما يعرفان أنّ في ذلك امراً من سابع المستحيلات.
لكنّ المفاجأة جاءت من الرياض ليعلن عن تفاهم على قانون الجنسية وتأجيل البتّ بقانون الإنتخاب الى موعد لاحق لم يُحدَّد. فهما لم يتفاهما عليه بعد قبل دعوة ومطالبة الآخرين المعترضين والرافضين ومن بينهم حلفاؤهما وحلفاء الحلفاء الى اقراره.
– الإستفاقة المتأخّرة لثنائية الرابية – معراب على وجود موقع مسيحي ثالث في الصيفي واستمرار تجاهل الرابع في بنشعي لا توحي ببناء الكثير من الأحلام على المصالحة المارونية – المارونية ولا في بناء حلف واسع يحيي ايام «الجبهة اللبنانية». فلو كان ذلك ممكناً لما وصلت أحوال المسيحيين الى ما هم عليه اليوم. فعلى الأقل كان بإمكانهم منذ أن جمعهم البطريرك الماروني في 19 حزيران 2013 في بكركي معتقداً – وواهماً على الأرجح
– أنّ بإمكانه بناء هذا الحلف لوضع خريطة طريق الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل 11 شهراً على انتهاء ولاية الرئيس سليمان وخوفاً من الشغور الذي استوطن قصر بعبدا منذ 18 شهراً.
– لم يكن في الأفق ما يشير الى أنّ بإمكان سعاة الخير العاملين على تأجيل المواجهة الحتمية في حال أصر الرئيس نبيه بري على عقد الجلسة لولا مفاجأة الرياض التي أنهت الخلافات الشكلية في قانون الجنسية وتطيير قانون الإنتخاب، ولولا اللقاء الثلاثي في بيت الكتائب المركزي مساء الثلثاء والإيحاء لساعات أنّ الأحزاب المسيحية توافقت على المواجهة لما أمكن إمرار التسوية بعدما تنازل المستقبل عن تعديلاته على قانون الجنسية وتنازل حزب القوات والتيار عن قانون الإنتخاب فتمّت التسوية وبقي حزب الكتائب وحيداً على ثوابته.
على كلّ حال ومن دون التوسع في التحليل والتفسير يعتقد الجميع في لحظات الصدق التي يعيشونها أنّ انتخاب رئيس للجمهورية هو اقصر الطرق الى وقف كلّ هذه «المواجهات الخنفشارية» وليس في الطريق الى مثل هذا التفاهم سوى أن تكرّس الإتصالات المسيحية تفاهماً على خطوة من هذا النوع تشكل المفاجأة المنتظَرة التي أشار اليها رئيس الكتائب لكن دونها صعوبات.
فلم يتفاهم المسيحيون يوماً إلّا على الخطوات المستحيلة لئلّا يُقال الإنتحارية والتاريخ يشهد على ذلك، لكن وإن كرّر التاريخ نفسه في مسافة زمنية قصيرة يعني أنهم لم ينجزوا بعد عملية الفرز المطلوبة بين الأخطاء والإنجازات. والى تلك اللحظة سيبقى الصبر مفتاح الفرج.