Site icon IMLebanon

ما بين 14 شباط 2005 و13 تشرين الأول 1990

 

يتقدّم كلّ ما تلى الإستقالة / الصدمة للرئيس سعد الحريري على الإستقالة بحدّ ذاتها، برغم التساؤلات الكبرى التي طرحها إعلانها غير المتوقّع، وبرغم الدلالات الكبرى للرياض، العاصمة التي فرضت نفسها موقعاً محورياً على الأجندتين الدولية والإقليمية ونقطة تقاطع إلزامية للمصالح المتناقضة على أرضية الهلال الفارسي المزعوم .

إنّ القول إنّ الإستقالة وضعت لبنان في موقع المواجهة ليس دقيقاً، فلبنان في قلب المواجهة منذ دخول النفوذ الإيراني الى لبنان، كأحد تجليّات تصدير الثورة الإسلامية، بالرغم من إرادة دمشق حتى العام 2000 وباسترخاء دمشقي غير مسؤول حتى العام 2005، ليتحوّل هذا التدخل وهذه المواجهة الى قدر لبناني وإلى ضرورة سورية لاستدامة الإمساك بقرار لبنان بعد انسحاب الجيش السوري تطبيقاً للقرار 1559.

مع استقالة الرئيس الحريري من الرياض، تنتقل المواجهة الخليجية التي تقودها المملكة مع المشروع الإيراني الى بيروت إحدى العواصم الأربع، التي طالما أعلن المسؤولون في إيران انها تقع تحت سيطرتهم. الأدبيات غير المعهودة في كتاب الإستقالة الذي تلاه الرئيس الحريري كانت بمثابة الإعلان إنّه لم يعدّ متاحاً لطهران أن تحقق المزيد من الأهداف في الداخل اللبناني، وبمثابة الخطوة العملية التي ارتأتها الرياض كي لا تتحوّل بيروت الى صنعاء أخرى وهي استكمال لترسيم خط المجابهة بين الرياض وطهران في كلّ المسارح العربية ومطاردة بيدق حزب الله في بيروت بعد الكويت والمنامة.

الأمين العام لحزب الله حاول تجاهل مفردات الإستقالة متسائلاً عن أسبابها ومذكّراً بالإنجازات الحكومية، وكأنّه يرفض أن يكون حزب الله المبادر الدائم وواضع القيود والحدود التي يبني عليها الآخرون ردود أفعالهم في موقع المتلقي هذه المرة. أجل يحق لحزب الله التوقف باستغراب أمام انتهاء صلاحية سياسات التدجين والتهجين التي أثبتت على الدوام نجاعتها!!! رئيس الجمهورية من موقعه المختلف رفض التعامل مع الإستقالة كواقعة لا مجال للقفز فوقها، فانسحاب أحد طرفيّ التسوية التي أوصلته الى سدّة الرئاسة، يعني سقوط التسوية برُمّتها وسقوط مفاعيلها، ومنها الإستقرار المزعوم الذي اعتبر أحد إنجازات العهد، وهي بداية المواجهة مع محور عربي قرّر هذه المرة تحميل المسؤولين في لبنان تبعات خياراتهم في زمن وضوح الرؤية الإقليمية وانقشاع الأهداف.

حال المراوحة والتجاهل محكومة بالإنتهاء، فالإلزامات الدستورية ستقف حائلاً دون إمكانية استمرارها. موقع رئاسة الحكومة الذي درجت العادة في هذا العهد على تجاوزه والقفز فوقه، محصّن بالدستور وعصّي على التجاوز في حال شغور الموقع وتصريف الأعمال . فلسفة الدساتير تكمن في الحصانة التي تقدّمها المواد الدستورية لممارسة الحكم وليس بما يقوم به جهابذة الحكم من تجاوزات دستورية.

إخراج لبنان من المأزق وتجنب المواجهة المحتومة غير ممكن في ظلّ استنساخ التسوية الحكومية عينها، كما أنّ الإستمرار في سوق لبنان مخفوراً وتحقيق المكاسب تحت طائلة التهديد بالأسوأ في ظلّ ميزان القوى الجديد وارتسام معالم المرحلة المقبلة يبدو نوعاً من الإنتحار.

يقول الرئيس سعد الحريري في كتاب الإستقالة إنّ المشهد يشبه إلى حدّ بعيد مرحلة العام 2005 وما سبق اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وفي هذا الكثير من الحقيقة، ولكن الإمعان في زجّ لبنان في المحور الإيراني دون تقدير ميزان القوى الدولي والإقليمي يشبه الى حدّ بعيد مرحلة العام 1990 والحكومة العسكرية ورفض اتّفاق الطائف وما سبق العملية العسكرية في 13 تشرين الأول.

فهل هناك دروس مستفادة من 13 تشرين الاول 1990، أم لا زلنا نقرأ في الكتاب عينه؟

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات