«حزب الله» يعزز قدراته و«يحمي لبنان».. من سوريا
حرب تموز 2006 لم تنته بعد، لا بالنسبة لـ «حزب الله» ولا بالنسبة لإسرائيل. لكن منذ ذلك الحين شهدت استراتيجية المواجهة تحولاً كبيراً. عندما لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أي من أهداف حربها، وخرج «حزب الله» منتصراً بصموده وصمود أهله، سريعاً انتقل الطرفان إلى «الخطة ب». بدأت إسرائيل البحث عن كيفية قطع الاوكسيجين عن الحزب بعدما لم تتمكن من قتله مباشرة، وذهب الحزب إلى زيادة ضخ الدماء في شرايينه لتحصين بنيته. في الحالتين كانت سوريا هي العنوان.
دخلت إسرائيل بكل ما تملك من تأثير على السياسة الأميركية والدولية في مواجهة مفتوحة مع سوريا، التي لم تتوان بعد الحرب عن تشريع أبواب دمشق أمام المقاومة لتحصل على كل ما تريده من سلاح وعتاد، يسمح لها بإعادة ترميم قدرتها وأكثر، خاصة أنها سبق أن أثبتت للجميع أنها جزء من الانتصار، كما كانت جزءاً من الحرب، إن كان من خلال السلاح النوعي الذي وصل إلى المقاومة، ولا سيما الـ «كورنيت»، أو من خلال الإعلان عن الاستعداد للدخول في الحرب ميدانياً وليس دعم «حزب الله» فقط.
بعد حرب تموز لم يعد أحد يملك القدرة على نفي دور سوريا بوصفها الدولة العربية الوحيدة التي تواجه إسرائيل.
لم تعد الأولوية الإسرائيلية هي استهداف المقاومة ما دامت الخطوة محفوفة بالمخاطر، إنما مواجهة سوريا نفسها، بوصفها الراعي العربي الوحيد لحركات المقاومة إن كان في لبنان أو فلسطين، وبوصفها القلب الذي يضخ الدم من الدماغ الإيراني إلى أطراف المقاومة. هذا القرار لم يكن مفاجئاً، بل جاء امتداداً للحرب الدولية التي كانت قد بدأت في أعقاب سقوط بغداد، على خلفية دعمها للمقاومة العراقية.
في 2011، وصلت النيران إلى قلب دمشق. ومن قاوم الاحتلال في جنوب لبنان، وجد أنه صار لزاماً عليه أن يحمي نفسه من هناك. أعلن الحزب الدخول على خط الحرب السورية. ومن بوابة القصير وصل إلى أقاصي الجغرافيا السورية. سعى بداية إلى تبرير تورطه، لكنه صار لاحقاً فخوراً بكل خطوة يقوم بها، مستفيداً من زخم شعبي واحتضان طائفي لم يشهد له مثيلاً حتى في صراعه المباشر مع إسرائيل. بالنسبة له المواجهة مع إسرائيل هي مواجهة مع محتل للأرض، فيما المواجهة مع التكفيريين هي مواجهة وجودية.
«أكلاف المعركة السورية كبيرة، لكنها تبقى أقل مما كان يمكن أن تكون لو وصل التكفيريون إلى لبنان»، يقول أحد قياديي الحزب، مذكراً بأن الخسائر البشرية لـ «حزب الله» لا تتخطى ثلث عدد شهداء الجيش العراقي الذين سقطوا في هجوم واحد نفذه «داعش» ضد «قاعدة سبايكر» العسكرية في العام 2014 (1700 شهيد). وعليه يثق الحزب بأن الفاتورة التي يقدمها اليوم، على ارتفاعها، تبقى أقل مما كان يمكن أن يقدمه اللبنانيون لو وصل «داعش» إليهم. يرتاح الحزب أيضاً إلى أن الأصوات التي كانت تواجهه في بداية تدخله خفتت كثيراً. هو يميز بين ما يقال في العلن في سبيل الاستثمار السياسي وما يقال خلف الأبواب المغلقة، مؤكداً أن معظم من عارض تدخله في سوريا في البداية صار يؤيده. وأكثر من ذلك، يُروى أن أحد نواب الحزب كان في واجب عزاء في البقاع الشمالي، فبادره أحد وجهاء آل حدشيتي، وهو من القواتيين القدماء، باعتذار «عن التقصير في دعمهم منذ البداية».
يبتسم القيادي في الحزب عندما يذكّر باتهام الحزب بجذب التكفيريين إلى سوريا ومن ثم تهديدهم للبنان، بسبب تورطهم في الدفاع عن النظام السوري. ويسأل: هل الحزب هو سبب وصول التكفيريين إلى تونس وليبيا ومصر والعراق واليمن والسعودية والكويت؟
صحيح أن «حزب الله» ينتشر في معظم المحافظات السورية، إلا أنه من الواضح أن سعيه لحماية النظام ورئيسه، يتوازى مع سعيه لإيجاد خطوط إمداد بديلة من الخطوط البرية التي قطعت مع العراق. ولذلك، تبدو معركته في القلمون ثم الزبداني وقبلها حمص والقصير مصيرية له على خطين، الأول يحمي من خلاله الخاصرة اللبنانية، والثاني يؤمن خطوط إمداد بديلة، يحافظ من خلالها على جهوزيته للحرب المقبلة.
معركة 2006 لم تنته، تلك مسلّمة للحزب، الذي يدرك أن التنظيمات التكفيرية مرعية بشكل مباشر وغير مباشر من إسرائيل وأميركا. من دون أن يعني ذلك غياب المعارك المباشرة، التي بقي استهداف قافلة المقاومين في القنيطرة والرد عليه في مزارع شبعا أبرز تجلياتها.
هذ الاختبار الذي أجرته إسرائيل كان كفيلاً لتدرك أن التحرش بـ «حزب الله»، حتى أثناء غرقه في الوحول السورية، محفوف بالمخاطر. هذا لا يعني أن الحزب مستعد من جهته لفتح جبهة ثانية، لكنه يعني أنه سيكون مستعداً لها إذا فُرضت عليه. علماً أنه بالرغم من الارتياح الإسرائيلي لاستنزاف «حزب الله في سوريا، إلا أنها في المقابل، تبدو قلقة مما يراكمه.
هناك من خبرات في كل أنواع الحروب، لدرجة محاكاة كل مناوراته في الفترة الأخيرة لاحتمال وحيد.. هو دخول الحزب إلى شمال فلسطين.