رمى سعد الحريري حجرا في مياه راكدة. حتى الآن لم يتفق السياسيون في البلد على تفسير موحد لمبادرة زعيم تيار «المستقبل» ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية اللبنانية، والراعي الأصيل لهذه المبادرة. ربما أكثر العارفين وليد جنبلاط الذي كان المبادر الأول الى هذا الطرح.
فعلى الرغم من الحدث الذي طبع الاسبوع المنصرم، والذي تمثل بتحرير العسكريين اللبنانيين لدى «جبهة النصرة»، فإن الموضوع الرئاسي ظل طاغيا في السر والعلن، وثمة من يؤكد بأن الاسبوع المقبل سيشهد خطوات عملية في هذا السبيل، من خلال إعلان الحريري رسميا ترشيح فرنجية.
نسبة التفاؤل بانتخاب رئيس في وقت قريب تفوق نسبة التشاؤم. لكن حسابات الحقل قد لا تنطبق على حسابات البيدر. فثمة حواجز كثيرة في الطريق الى بعبدا، لكن الحاجز الرئيسي لا يزال في الرابية، واذا ما أزيل هانت كل الحواجز الأخرى. باختصار لا يزال مفتاح الرئاسة في يد الجنرال ميشال عون.
وبعيدا عن التفاؤل والتشاؤم، ثمة مسلمات يفترض أن تؤخذ في الحسبان، سواء أعلن سعد الحريري تبني ترشيح فرنجية للرئاسة أم لم يعلن، وهي مسلمات داخلية بحتة قد لا تقوى الرياح الخارجية على زعزعتها.
أولا: ليس سليمان فرنجية من يعوم على شبر ماء، ولا هو يسكر بشهوة الرئاسة من كأس فارغ (حتى الآن)، على الرغم من أن الرجل يتعامل بجدية مطلقة مع الموضوع. بدا ذلك واضحا في بكركي وفي دارة جنبلاط. لكن الزعيم الزغرتاوي معروف أنه من أكثر السياسيين صراحة في هذا البلد، وقد علمته التجارب ألا يتوهم كثيرا قبل أن تصبح الأحلام حقيقة ثابتة. هو يعرف جيدا أنه في بلد تميد سياسته على رمال متحركة. وكان واضحا عندما قال إن قوى «8 آذار» لن تذهب الى الرئاسة إلا موحدة. فهو يعرف تماما أن لا رئاسة بغير هذه البَرَكة.
ثانيا: ليس ميشال عون من يسلّم أوراقه بسهولة، حتى لسليمان فرنجية، حليفه الاساسي في الساحة المسيحية. ولا شك أن حسابات الجنرال في الرئاسة هي غير حسابات كل القادة المسيحيين، بمن فيهم فرنجية. فالأول يؤكد أنه صاحب برنامج تغييري طموح، فيما يعتبر الثاني ابنا شرعيا لهذا النظام، ولا يتوهم كثيرا في إمكانات التغيير في لبنان. وعليه، لن يخلي زعيم «التيار الحر» الساحة بسهولة لحليفه، ما لم يضمن برنامجه المستقبلي، ودون ذلك عقبات كثيرة لا يستطيع فرنجية وحده إزالتها.
ثالثا: ليس حسن نصر الله من يبيع ويشتري بحلفائه. لعل أكبر فضائل السيد في نظر جمهوره وحلفائه وخصومه أنه صادق الوعد ولا يفرط بعهوده. صحيح أن «حزب الله» محرج بين حليفين حميمين، ولا يريد أن يخسر أيا منهما، لكنه قطع عهدا على نفسه بألا يتخلى عن ميشال عون الا اذا تخلى الجنرال عن نفسه بنفسه. ليس في ذلك وفاء لهذا الرجل وتياره فقط، بل ثمة مصلحة سياسية ووطنية وأمنية أيضا. ولا شك أن فرنجية الوفي لحلفائه الأقربين والأبعدين يتفهم جيدا موقف الحزب.
أمام هذه المسلمات يبدو البلد أمام فرصة سانحة كبديل لفرصة ضائعة. لكن حظوظ فرنجية من عدمها متساوية. والرجل يعرف أن انتقاله من زغرتا الى بعبدا يتطلب عبورا إجباريا في الرابية. وأغلب الظن أنه الوحيد القادر على تسلم مفتاح الرئاسة من العماد عون، لكن مهمته ليست سهلة. ولعل من الأجدى والأكرم والأفضل للمسيحيين، اذا ما قُدّر لفرنجية أن يتسلم المفتاح، أن يُعلن ميشال عون بنفسه ترشيح فرنجية.. وقبل سعد الحريري.