سأل الرئيس تقي الدين الصلح ياسر عرفات، في اجتماع رؤساء الوزراء السابقين مع الزعيم الفلسطيني في دارة الرئيس صائب سلام في المصيطبة، في أواخر أيام الحصار الاسرائيلي لبيروت: هل لديك سلاح سري لم تستعمله بعد؟ أو هل لديك دعم سري من طرف دولي سيتدخل في لحظة مفصلية؟
حين لم يرد عرفات، استطرد رئيس الوزراء السابق: اذا لا هذه ولا تلك، لِم تزيد عذابات الحصار على أهل بيروت الذين احتضنوك؟
ينقل مخضرمون عن عرفات أنه قال، بعد تركه بيروت، إن تقي الدين الصلح هو من أقنعه بالإنسحاب، وليس قوة النيران الإسرائيلية. اليوم يحاصر الجنرال الجمهورية بالإصرار على موقف، قد يكون مناسبا في ظلال ديموقراطية فعلية، لكنه يطرحه في زمن ينحر فيه السلاح كل وجوه الديموقراطية. فهل هناك، من الموارنة تحديداً، من يسأل عون بعد تعطيل الرئاسة المديد: هل لديك سلاح سري سيجبر النواب على ترئيسك الجمهورية، أم انك تنتظر دعماً دوليا غير محتسب؟
يعطل عون الإنتخاب بـ “ابتداعات” يسحبها كالساحر هوديني، بالتتالي، وكلما استهلكت “حجة” الوقت المستقطع لها في حساباته، كشف ورقة أخرى: بدأ بـ “أنا أو لا أحد”، وأتبعها بادعاء إحتكار الزعامة المسيحية، وأرفق العنوانين بزعم عدم الترشح، والتخلف عن إكمال نصاب الجلسات النيابية، ولما تناهت اليه اشارة ايجابية من حركة الديبلوماسية الفرنسية، اضاف “مرجلة” جديدة هي إما انا للجمهورية، وإما تعديل اتفاق الطائف.
يعرف الجنرال ان اتفاق الطائف كلف اللبنانيين ما يفوق الـ 200 ألف شهيد، وآلاف المعوقين والمشردين، ومساحات من الدمار والركام، وأنه لم يولد سوى في لحظة تلاق دولي – اقليمي – محلي.
يعرف الجنرال، ايضاً، ويصعب التصديق أنه يجهل، ان فتح باب التعديل الذي “يشتهيه” سيفتح “شهيات” آخرين، على تعديلات تدغدغ “آمالهم” وتطلعاتهم، وهو عرف بالتأكيد، خلال اغترابه الباريسي، المثل الفرنسي القائل: لا يمكنك أن تحصل على الزبدة وثمن الزبدة، كما يعرف أن النقاش الجدي والمجدي لا يستقيم مع طرف ينفرد بسطوة السلاح، ولو أخفي عن طاولة الحوار.
الأكيد أن الجنرال لم يعِ بعد أنه بموقفه جعل تغييب رئيس الجمهورية حالا من طبيعة الحياة السياسية، وذكر اللبنانيين بالدب الذي لوح بيده ليبعد الذبابة عن وجه مدربه فقتله. فكيف وقد بدا ما يطالب به، ويتقلب في تنويعاته، كوجه من النزوات السياسية، أو نزق الكهولة، فيما بدت نطنطة “الإصلاح والتغيير” خدمة لنهج استراتيجي إقليمي غير خافِ.
سلاح “الحزب المتسلط”، ودوره القمعي في الداخل، ليس سرياً، والقوة الاقليمية التي يفترض الجنرال مساندتها له تغير حساباتها حالياً، فهلاّ يرحم المسيحيين، ولا سيما الموارنة الذين يزعم احتكار زعامتهم، ويرحم لبنان؟