Site icon IMLebanon

بين عون وفرنجية: جنبلاط ينزل عن بيضة القبّان

بات كل مَن لا يتخذ موقفاً من احد المرشحين المعلنين الرئيس ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، وقد بات الاستحقاق الرئاسي مقصوراً عليهما في الظاهر على الاقل، يُحسَب او يحسب نفسه بيضة قبان، ترجح كفة احدهما على الآخر

في الغالب، لا يستحق بيضة القبان الا الذي يتقن اللعب بها. في الاسابيع الاخيرة بات في وسع اكثر من طرف الزعم ان صمته حيال ترشيح الرئيس ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، او القول بمعارضتهما معاً، يجعل من أصواته بيضة قبان في توجيه الاستحقاق الرئاسي.

كأن الانتخاب واقع غداً، او كأن المرشحين ذاهبان حقاً الى جلسة منازلة احدهما في وجه الآخر، او كأن ثمة مرشحاً ثالثاً سيهبط على الجميع قبل ان يستيقظوا.

بالتأكيد، الغلوّ في هذا التكهن لا يجعل الاستحقاق وشيكاً، وان هو اليوم في ذروة الغسيل المنشور على سطوح العلاقة الذاهبة الى الافول بين الحليفين السابقين، المرشحين الحاليين. في بضعة مواقف اخيرة ادلى بها، لم يتوخّ نائب زغرتا الاصرار على استمرار الترشح الى ما لا نهاية والتمسّك بالخيار المزدوج مع الرئيس سعد الحريري فحسب، بل أذِن بقطع الجسور تماماً مع عون.

على نحو كهذا يجعل المرشحين يتمسكان بالترشح وشروطه، عون يريد انتخابه رئيساً بالاجماع او شبه اجماع لا منافساً قبالته، وفرنجية لا يتراجع خطوة واحدة الى الوراء، حتى بات الحديث عن بيضة قبان غير ذي جدوى. حتى صاحب الامتياز والشأن فيه النائب وليد جنبلاط خلّف هذا الموقع وراءه في المرحلة الجديدة من الاستحقاق بين عون وفرنجية.

عندما سمّى في نيسان 2014 النائب هنري حلو مرشحه و»اللقاء الديموقراطي»، بادئاً بـ11 صوتاً في الكتلة النيابية رغم انه حاز في جلسة 23 نيسان حينذاك 16 صوتاً بانضمام نواب مستقلين الى ترشيحه، رمى جنبلاط الى الحؤول دون وصول اي من المرشحين المتنافسين في ذلك الحين، عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. تالياً تعطيل وصول مرشح من اي من قوى 8 و14 آذار. عوّل، ولا يزال، على دوره المحوري في مرحلة ما بعد توفير نصاب الثلثين لالتئام مجلس النواب، والتأثير من ثمّ في فوز المرشح في الدورة الثانية من الاقتراع. في ظل الانقسام وتشتت القوى منذ جلسة 23 نيسان ــــ ولم يتغير الكثير الذي يقلب موازين القوى المحلية مذ ذاك في مواقف الفريقين السنّي والشيعي ــــ تكمن قوة بيضة القبان في ترجيح كفّة الفوز من الدورة الثانية التي تتطلب النصف +1.

مذ ذاك، شاع هذا الامتياز رغم ان جنبلاط لم يستخدمه، بل هدّد به. لم ينتخب، بل منع انتخاب. بعد ثلاثة ايام على اعلان اتفاق معراب بين عون وجعجع في 18 كانون الثاني، اعاد الزعيم الدرزي في 21 كانون الثاني التمسك بحلو مرشحاً وحيداً لـ»اللقاء الديموقراطي» كي يقول للمرة الثانية ــــ بعدما رفض ترشيحي عون وجعجع قبل سنة وتسعة اشهر ــــ انه لا يدعم بالتأكيد الانقلاب الجديد: ترشيح جعجع لعون.

كان جنبلاط السبّاق الى استقبال فرنجية في منزله في كليمنصو، اياماً بعد عودة نائب زغرتا من اجتماع باريس مع الحريري، ويوحي بخفر بتأييد ترشيحه من دون ان يسحب ترشيح حلو، على غرار الحريري الذي سرّب تأييده فرنجية من غير اتخاذ موقف معلن منه يعزّز في آن، أوراق المرشَّح والمرشّح. أشعر الموقف الجديد لجنبلاط معظم الافرقاء انه سيلعب هذه المرة ايضاً دور بيضة القبان، لكن في اتجاه معاكس: ليس رفض عون كما حدث قبلاً فحسب، بل توفير اصوات الفوز لمنافسه فرنجية.

تدريجاً، تأكّد ان زعيم المختارة في واد آخر. قد لا يكون من المفيد تكرار اللعب على بيضة القبان. بل الاصح انها لم تعد مفيدة له تماماً الآن. وربما يُخشى من ان تكون ضارّة حتى. لذلك ينحو الرجل الى مغادرة اللعبة تبعا لمعطيات من بينها:

1 ــــ في وقت لم يحسم حزب الله الخلاف على ترشيحي عون وفرنجية من داخل الفريق الواحد، رغم ان موقفه المعلن تأييد رئيس تكتل التغيير والاصلاح بلا تردد او مساومة، وحيداً لا بديل منه اياً يكن المرشح الآخر ــــ وان هو هدية استثنائية غير متوقعة تشبه فرنجية ــــ لن يستعجل جنبلاط المفاضلة العلنية بينهما الى حد الانحياز والخيار النهائي. وقد يكون من المستحسن اولاً انتظار ربّ بيت قوى 8 آذار.

2 ــــ لن يذهب جنبلاط وكتلته الى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية يفوز فيها فرنجية ويقاطعها حزب الله، وإن بدا فوز نائب زغرتا محتوماً، سواء كانت المنافسة مع عون او من دونه. الا انه يشترك حتماً في جلسة يحضرها الحزب سواء تنافس المرشحان ــــ وذلك يعني رضى حزب الله على تنافسهما ــــ او تجنّبا الخوض فيه. يصبح الاختيار عندئذ غير ذي اهمية وتأثير سواء مال الى الاقتراع لنائب زغرتا ضد عون، او لم يقترع لعون مرشحاً وحيداً. اذ سبق لجنبلاط ان رفض انتخاب رئيس للجمهورية هو الرئيس اميل لحود في 15 تشرين الاول 1998.

الاصل في الجلسة جلوس حزب الله على مقاعده. اما المرشح فشأن آخر.

3 ــــ لا مكان لبيضة قبان بين عون وفرنجية. كلاهما في فريق واحد، لا من طرفين ومشروعين متعارضين كحالي عون وجعجع قبل اكثر من سنة ونصف سنة. كلاهما حليفان موثوق بهما لحزب الله يسرّه انتخاب اي منهما. لذا يحاذر زعيم المختارة ــــ ما لم يقل الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله والرئيس نبيه بري كلمتهما في الحليف وحليف الحليف ــــ الدخول بين البيضة وقشرتها. في احسن الاحوال لا يدعو رئيس المجلس الى جلسة لا يحضرها حزب الله.

4 ــــ لا غرابة في ان الزعيم الدرزي، كحزب الله، يقرأ الاستحقاقات من الخارج الى الداخل وليس العكس. يتنبه الى ما اضحى عليه مثلث المنطقة من اليمن ذهاباً الى ايران وصولاً الى سوريا، وما صار عليه نظام الرئيس بشار الاسد وقد أفل اوان رحيله الوشيك. كذلك تطور العلاقات الايرانية ــــ الغربية بعد رفع العقوبات والاقبال على الانفتاح على نظام الجمهورية الاسلامية، والتعاون معه ومدّه بالاستثمارات. بذلك يصبح من الحتمي التأنّي في مقاربة انتخابات الرئاسة اللبنانية، غير المستعجلة تماماً، على الاقل بالنسبة الى الحزب والزعيم الدرزي. ما يجعل بيضة القبان هذه المرة «ممودرة».