IMLebanon

بين عون وجعجع: رؤوس أَينعت وحان قطافها

 

لا يُمكن وَصف «إتفاق النيات» بين العماد ميشال عون والدّكتور سمير جعجع بأنّه «زواج متعة». ولا يبدو أيضاً أنه «زواج عقل». أما اعتباره «زواج مصلحة» على غرار «الاتفاق» على «الأرثوذكسي»، قبل عامين، فيحتاج إلى مزيد من الإثباتات… والمهم أن يكون هناك «زواج» بالفعل، لا «بالنيات»!

بالنسبة إلى «القواتيين»، «أكل» العونيون «الضرب» في موقعة السراي. ومن المؤكد أنّ عون لم يكن يتوقع هذه المواجهة الهزيلة هناك، ولم يكن يتمنّى حصولها مع الجيش، وفي هذا التوقيت. فهو ليس أفضل من 14 آذار في مواجهتها المماثلة أيام الرئيس نجيب ميقاتي. فالسراي خطّ أحمر وممنوع على أيٍّ كان أن «يدكّ أسوارها».

من معراب، كانت رؤية الصورة ممكنة بالمنظار. وعاين جعجع ميدانياً استطلاع عون المسيحي. وقد انشرحت أساريره من النتائج. ويقول البعض في 14 آذار: «إذا كانت هذه هي قدرة عون على الحشد الشعبي، في ذروة استنفاره المشاعر الطائفية، فهي تُخالف شعاره القائل: «أنا زعيم المسيحيين».

وأما إذا كانت هزالة المشارَكة ناتجة من ظروفٍ عملانية وخللٍ تنظيمي في ماكينة «التيار»، فمَن يضمن أنّ أيّ استطلاع أو انتخابات لن تشوبها ظروف مشابهة وخلل تنظيمي مماثل؟

إذاً، بالنسبة إلى خصوم عون، جاء استطلاع الشارع ليستبق الاستطلاع الذي ينظّمه هو، والذي ستأتي نتائجه لمصلحته، لمجرد أنه هو الذي سيتولّى تنظيمه.

وليس هناك ما يريح «القوات» أكثر من فكّ الارتباط بين المزاج العوني ومؤسسة الجيش. ويروي قيادي في 14 آذار، إبن بلدة شمالية مارونية معروفة بكثافة انتماء أبنائها إلى الجيش، أنّ الضباط والأفراد العسكريين الذين لطالما تضامنوا مع عون في معاركه، باتوا يعبّرون عن استيائهم من الحملات التي يشنُّها على قائد الجيش، على خلفية النزاع على القيادة. ويبدي خصوم عون إرتياحهم إلى ما يعتبرونه تباعداً بين المزاج العوني ومؤسسة الجيش.

وفي تقدير 14 آذار أنّ عون لطالما استثمر صورته كقائد سابق للجيش، لتدعيم شعبيّته في الاستحقاقات الانتخابية. فذوو العسكريين لهم وزنهم، كما أنّ مؤسسة الجيش تحظى برصيد شعبي واسع عموماً.

وفوق ذلك، يعتقد الـ14 آذاريون أنّ عون تلقّى ضربة سياسية في حراكه الأخير. فحتى حلفاؤه الشيعة والمسيحيون لم يتضامنوا معه، من رئيس مجلس النواب نبيه بري و»حزب الله» إلى النائب سليمان فرنجية. وتبيّن أنّ الرئيس تمام سلام وحكومته هما خط أحمر، حتى للحلفاء.

وفي الخضم، قفز جعجع إلى السراي لقطف الثمار، بمباركة عون وسلام. فالأول لا يرى خسارة في وجود وسيط بينه وبين سلام، والثاني تهمُّه الوساطة لإعادة الاستقرار إلى حكومته. وفي الأثناء، يتقدَّم جعجع إلى سلام بطروحاته «المسيحية» كقانون الانتخاب، في شكل هادئ – نقيضاً لعون- ويرفع رصيد «القوات» مسيحياً، ولدى الحلفاء والخصوم كعامل استقرار سياسي.

إذاً، بالنسبة إلى جعجع، هو قادر على الإفادة من نكسةٍ سياسية وشارعية أُصيب بها عون. ولكنّ الرابية تريد إثبات العكس، وتقول: «أنظروا إلى مدى التعاطف الشعبي الذي حققناه من خلال حراكنا الأخير. فكثيرون من الشبان عبّروا عن رغبتهم بالانضواء تحت لواء «التيار» لأنهم يشعرون بالظلم ولم يعودوا قادرين على تحمُّل التعاطي مع المسيحيين وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.

بالنسبة إلى عون، الإختبار الشعبي لم يفشل لأنّ السقف الذي وُضِع له كان مضبوطاً أساساً في الحجم والتكتيك. فلم يكن الهدف اقتحام السراي، ولكن في مرحلة آتية سيكون الحراك تصعيدياً وسيفاجئ الجميع حجماً ونوعاً. وفي أيّ حال، إن «التيار» حقَّق الأهداف المرسومة آنياً من التحرُّك وهو منع تهميش المسيحيين. والحلفاء لم يتخلّوا عن «التيار»، لكنهم يتمايزون في المقاربة بناءً على ظروف كلٍّ منهم.

في هذه الأجواء، يعتقد عون أنّ شعبية «التيار» اتسعت لأنّ شعار التحرّك يلامس «العصب المسيحي». وهذه الشعبية سيعبّر عنها أيّ استطلاع يجري تنظيمه. وفي الأيام الأخيرة، بدأت الرابية تسرِّب أجواء مفادها أنّ هناك إقبالاً واسعاً على الإنضمام إلى صفوف «التيار».

وتعتقد القوى المسيحية بأنّ رفعها للعنوان المسيحي سيكون فعّالاً في تحريك الانفعالات واجتذاب الشبان المتحمسين. لكنّ حماسة الشبان تتراجع تدريجاً في السنوات الأخيرة، بعدما ذاقوا مراراً طعم الإحباط برفع قادتهم الشعارات والعناوين المسيحية حتى منتصف البئر… قبل أن يقطعوا الحبل بهم، من زمن الحلف الرباعي ورفع شعارات الفساد التي يتمّ التراجع عنها… إلى «فدرالية» مشروع «اللقاء الأورثوذكسي» والفدرالية المطروحة أخيراً «خطوة إلى الأمام وأخرى إلى الوراء».

والمشكلة تكمن في أنّ القوى المسيحية تقوم مداورةً باستغلال العناوين المسيحية المطالبة بالحقوق وتصحيح الخلل في الشراكة واستعادة التوازن لغايات شخصية في غالب الأحيان، ولجذب الشعبية عشية الاستحقاقات والاستطلاعات أو عند توزيع الحصص في الوزارات والمواقع الأخرى، ولـ«التمريك» الإنترمسيحي.

ويريد كثيرون من المسيحيين أن يصدِّقوا صدقَ الزعماء في التوافق على المصلحة المسيحية، ولكنهم لا يلمسون فعلاً أيّ تصوُّر استراتيجي مسيحي لدى هؤلاء يتناسب وحجم التحديات المطروحة على المسيحيين في لبنان والشرق الأوسط. ويردِّد البعض العبارة الفرنسية C›est trop beau pour être vrai (جميل جداً إلى حدِّ عدم التصديق بأنه صحيح).

إذاً، في هذه الأجواء، يعتقد كلٌّ من عون وجعجع أنه في صدد توسيع شعبيته على حساب الطرف الآخر في هذه المرحلة، وأنّ ذلك يتمّ سياسياً، و»بلا زعل» ولا مناكفات في الجامعات وساحات القرى. فالإخوة – الأعداء قادرون على مواصلة التنافس، تحت مظلة «النيات الحسنة».

عون وجعجع يعتقد كلٌّ منهما أنه يحقِّق تفوّقاً على الخصم وشعبيته في هذه المرحلة، وأنّ هناك «رؤوساً قد أينعت وحان قطافها». ولكن، أيّ رؤوس؟

على كلٍّ أصحابُ الرؤوس الحامية في لبنان أن يتحسَّسوا حماوتها باستمرار…