Site icon IMLebanon

بين عون وجعجع.. خلاف على صرف «الشيك» المسيحي؟

تُجمع معظم القوى السياسية على أن عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان، الأطول نسبياً من سابقاتها، حرّكت الجمود السياسي الذي تلى إعلان الترشيحين الرئاسيَين، لكن باتجاه مزيد من التعقيد، الى حدّ مجاهرة البعض بأن الأمور عادت الى ما قبل نقطة الصفر، وأن جلسة 2 آذار مجرد رقم في عداد الرئاسة الضائعة.

ظواهر عدّة أفرزتها هذه العودة، ليس أقلّها تكريس «التزام» سعد الحريري بسليمان فرنجية، وهو تعبير يطغى بمغزاه على مجرد إعلان الترشيح الذي كان يُفترض أن يحصل في ذكرى 14 شباط، وتبلور معالم «الحلف الثلاثي» الرئاسي بين بيت الوسط وعين التينة وكليمنصو، وشهَر الحريري الفيتو بوضوح بوجه ميشال عون، على الرغم من تأكيده أن لا فيتو على أي من المرشّحين، ودخول مسألة رئاسة الحكومة المقبلة بقوة على خط المداولات في الغرف المغلقة…

لكن يبقى أن هذه العودة أسهمت إسهاماً مباشراً في كشف ما يسعى ميشال عون وسمير جعجع، على الأرجح، الى تجنّب بروزه كنقطة خلافية بينهما في ما يتعلّق بتجاوز الحريري لواقع التقاء أكبر قوّتين مسيحيّتين على ترشيح «الجنرال» لرئاسة الجمهورية.

حين وقف سمير جعجع الى جانب الحريري في معراب، كان جازماً في «تحرير» رئيس الحكومة الأسبق من «عبء» التفاهم المسيحي القواتي ـ العوني على ميشال عون رئيساً. هو التفاهم نفسه، بميزان الرابية، الذي يشبه توافق الشيعة على انتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب.

قال جعجع إن الحريري برفضه التصويت لعون، هو حرّ في رأيه، وبعد الإعلان الصريح من جانب زعيم «المستقبل» بعدم مقاطعته جلسات الانتخاب لم يعد هناك أي مبرّر لـ «الجنرال» ولـ «حزب الله» بالتغيّب عن الجلسة.

ليس هذا طبعاً موقف ميشال عون الرافض لتجاوز الحريري واقع أن رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» بات «مرشّح المسيحيين بأكثرية ساحقة»، بحيث يقتضي أن يبني «الشيخ» حساباته الانتخابية على هذا الأساس.

آخر التأكيدات حول هذا الأمر وردت على لسان الوزير جبران باسيل من بكركي الذي أشار الى ان «كسر إرادة المسيحيين» في الرئاسة الأولى ينسحب على كل المواقع الاخرى، داعيا الى «احترام الميثاق بالخضوع للإرادة الشعبية وقد عبّرت عن نفسها بأكثرية ساحقة لدى المسيحيين (اتفاق عون والقوات)»، معتبرا أنه «يجب ترجمة هذا الأمر في موقع الرئاسة الأولى وإلا لا يمكن ترجمته في المواقع الثانية، لا في مجلس النواب ولا في الحكومة».

باختصار، يريد عون من «القوات» أن تصطفّ خلف مفهوم الميثاقية التي يؤمن بها عون والمستندة الى خيارين لا ثالث لهما: إما التزام الحريري بمن اختاره المسيحيون للرئاسة وبذل جهد قواتي لإقناعه بهذا المنطق، وإما الركون الى الإرادة الشعبية من خلال انتخابات نيابية تفرز مجلسا جديدا ينتخب الرئيس الجديد على ركام مجلس النواب الحالي الممدّد له.

بالمقابل، تطرح التساؤلات حول مدى تقبّل الرابية لانسياق معراب خلف لعبة يُسقِط عليها الفريق الآخر رداء الديموقراطية «وليربح من يربح»، لكنها في الحقيقة ليست سوى دفن للتسوية الميثاقية وتغييب للإرادة المسيحية.

لـ «القوات» مقاربة متمايزة، لا بل نافرة في تمايزها. في المهلة الفاصلة بين ترشيح جعجع لعون وعودة الحريري الى لبنان لم يسجّل أي موقف علني لرئيس حزب «القوات» يدعو فيه حليفه الجديد الى النزول الى الجلسة، لكن في اللحظة التي حسم فيها «المستقبل» موقفه من المشاركة في الجلسات اصطفت معراب بوضوح في معسكر الداعين للتوجّه الى ساحة النجمة.

يؤكّد القواتيون صارمين أن مسألة النزول الى مجلس النواب لم تكن محطّ نقاش مع الرابية لأن القرار متّخذ سلفاً من جانب جعجع بحضور كل الجلسات، فيما يفيد مقرّبون من عون بأن «الحكيم» وَعَد عون بأنه إذا اقتضت ظروف المعركة المقاطعة فسيفعلها.

برأي معراب أن تكتل «14 آذار» و «المستقبل» وبري وجنبلاط الداعم لخيارعدم التغيّب عن الجلسات، يضع الكرة في ملعب الضاحية والرابية. الأمر يستلزم فقط توحّد «8 آذار» خلف ميشال عون وعندها كما يقول النائب انطوان زهرا «مع أصوات القوات يمكن أن نوصِل الجنرال الى الرئاسة».

في حسابات «القوات» أن توحّد صفوف «8 آذار» يعني تصويت بري و «المردة» و «البعث» و «القومي» و «حزب الله» الى جانب عون، مضافاً اليه البلوك العوني والقواتي، فيما يبقى خارج السرب «تيار المستقبل»، الذي يتكفّل بالميثاقية عبر تأمينه نصاب الثلثين لالتئام مجلس النواب ولا فرق لديه كما يقول من ينتخب رئيسا، إضافة الى «الكتائب» وبعض المستقلين.

وتبدو «القوات» كمن يملك «الخطة ب» سلفاً بتأكيدها أنه منذ أول جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية انتهت بتطيير النصاب، جاهرت بإمكانية القبول بمرشّح توافقي، خارج عون وجعجع، يرضي أطراف الصراع. واليوم تؤكّد أنها «متطرّفة» لخيار ملء الشغور «ونحن مستعدون له، ومرشّحنا عون، لكن لا مانع لنا إذا أفضت جلسة الانتخاب الى تتويج فرنجية رئيساً مع أنه لم يقنعنا بترشيحه، لأن اللعبة الديموقراطية تقتضي القبول بنتائج الانتخاب وليس التصرّف بمنطق التعيين. المهم إنهاء الفراغ الرئاسي لتلافي الكارثة الاقتصادية الحتمية».

قد «تبلع» الرابية اتهامها من قبل حليفها «الطازج» سمير جعجع بكونها المحرّض الأول على خيار «التعيين» الذي يسبق جلسة الانتخاب بمجرّد رفضها النزول الى مجلس النواب إلا بعد حصول التوافق المسبق على عون رئيساً، لكن ما لا يمكن تبريره وتفهّمه هو ترويج معراب لمعادلة «رأي الغالبية المسيحية بالرئيس مهمّ، لكن الدستور يقول بأن النواب هم من ينتخبون رئيس الجمهورية».

مفهوم «القوات» للأمر يقوم على أساس، كما يقول زهرا، أنه منذ البدايات، وحين قيل للمسيحيين «اتفقوا في ما بينكم وما في مشكل»، كان موقف «القوات» ان الاستحقاق ليس مسيحيا فقط بل وطني، وحين رشّح الحريري فرنجية من دون التشاور مع معراب، قالت ما معناه «الاستحقاق ليس إسلامياً يرمى بوجهنا، بل هو نتاج المشاركة».

بمطلق الأحوال، تجاهر «القوات» بلازمة ثابتة حتى اليوم: لن نقفز سريعا فوق خيار عون في حال الوصول الى الحائط المسدود، وكل الخيارات الاخرى لن تبحث إلا مع «الجنرال».