IMLebanon

بين عون والارثوذكس تزاوج المشرقية والميثاقية

المشرقيّة والميثاقيّة عنوانان أساسيّان تجلّيا خلال استقبال رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة العماد ميشال عون لوفد اللقاء الأرثوذكسيّ من كلّ شرائح المجتمع الأرثوذكسيّ واللبنانيّ برئاسة أمينه العام مروان أبو فاضل. اللقاء في شكله كان للتهنئة بتبوؤ العماد سدّة الرئاسة وعيد الاستقلال، وفي جوهره جاء معبّرًا عن لحظة أرثوذكسيّة أسّست بعمقها الاستراتيجيّ للوصول إلى تحرير المسيحيين من ربق استيلادهم ونير استهلاكهم، قمّتها ترجمت بوصول العماد عون إلى سدّة الرئاسة.

الانطلاق من المشرقيّة والميثاقيّة، يعني الكثير بالنسبة للقاء وللأرثوذكس بصورة عامّة، وقد نجح أبو فاضل في الكلمة التي توجّه بها إلى رئيس الجمهوريّة بأن أكّد عليهما كحالة وجوديّة وكيانيّة خاصّتين بالمسيحيّة وديمومتها وبلبنان كهويّة حضارية ومعطى سياسيّ يتجلّى منهما. وقد التقى رئيس الجمهوريّة واللقاء مع هذا المعطى على ان المشرقيّة أمست وجهًا جامعًا لكلّ المسيحيين، فليس من فوارق تذكر بين الموارنة والأرثوذكس، نحن أنطاكيون ومشرقيون كما جاء على لسان الرئيس، لقد سقطت القسطنطينيّة وسقطت روما ولم يبق شيء» ليس من فوارق جوهريّة بين الأرثوذكس والموارنة، لدينا مسيح واحد وكتاب واحد.

انطلق الحديث فيما بعد إلى تزاوج الفلسفة الميثاقيّة بالكيانيّة المشرقيّة كفكر تنتمي إليه الخصوصيات السورية والعراقية واللبنانيّة والأردنيّة، واستذكر بعض من شارك في اللقاء في سرّه ثلاث شخصيات أعطت بعدًا كبيرًا للكيانيّة المشرقيّة وهي أنطون سعادة والمطران جورج خضر وناهض حتر الكاتب الأردنيّ الشهيد، لم يكن الاستذكار مباحًا في اللقاء، لكنّه في حقيقته نبض حرّك الرؤى للانفجار تدريجيًّا وهي في أصلها أرثوذكسيّة المشتل، وصبّت عند العماد عون بكليّتها لتدغدغ مشاعره الوجوديّة الداخليّة وهو القائل لشخصية شاركت في هذا اللقاء وفيما سلف وكانت قد زارته في الرابية أنّ للمطران جورج خضر فضلًا عليه في تمحيص المشرقيّة وتشريحها على المستوى المارونيّ وتجسيدها في إعادة الموارنة كجذر أنطاكيّ إلى جذورهم هذه ليتلاقوا مع أشقائهم الأرثوذكس حولها ويصيروا جزءًا منها بل وجهها المضيء. فالبوادي بين حمص وحماه وحلب تنطق بهذه الجذور وتنبض بها وأهلوها يتحسسونها، ولبنان بفلسفة تكوينه جزء أساسيّ بل مكوّن لها.

والفلسفة الميثاقيّة ، تقول اوساط ارثوذكية، ليست على انفصال وانفصام مع الكيانيّة المشرقيّة من حيث الأرومة والوجه، ومن حيث التعبير التجسيديّ. قمّة الفلسفة التي ناضل التيار في الأصل من أجلها واستند في النضال إلى قراءة قدمها اللقاء الأرثوذكسيّ غير مرّة بعناوين كبرى أو صغرى، هي جوهر التعبير اي المشاركة بين المكوّنات والطوائف، بتوازن كبير يحفظ حقوق الجميع بلا استئثار أو استكبار يؤدي إلى عزل فانعزال. هذا المحتوى بحدّ ذاته كان صرخة مدويّة أطلقها أبو فاضل امام رئيس الجمهوريّة بصراحة مطلقة بعناوين عديدة منها عدالة التمثيل، والمشاركة بين كلّ المكونات وهي في الأصل الفلسفة التي انطلق منها التيار الوطنيّ الحرّ وعبّر عنها غير مرّة. كان أبو فاضل حريصًا على إيصال تلك الرسالة في ظلّ ما يحيط موقع نيابة رئيس مجلس الوزراء من تجاذبات متراكمة تشاء أن تجذبه إلى غير ما هو عليه. لقد أوضح أمين عام اللقاء أمرين أساسيين، انّ موقع رئاسة الجمهورية هو للموارنة والثانية للشيعة والثالثة للسنة والرابعة والخامسة للأرثوذكس. لم يشأ أبو فاضل التوضيح لأجل التوضيح العابر بل التوضيح الراسخ، فقد شاء أن يقول أنّ الموثقين المذكورين فيما سلف هما جزء من فلسفة الرئاسة والحكم، وليسا موقعين شرفيين على الإطلاق. والأمر الثاني أنّ موقع نيابة رئاسة الحكومة يفترض أن يكون الذراع الأساسيّة للرئيس، في اللحظة التي يقوم الرئيس بتسميته. لم يتمّ التطرّق إلى أسماء محدّدة، فالرئيس يملك المعطيات. بيد أنّ القاعدة الأساسيّة المتّبعة في المعنى الذي شاءه اللقاء الأرثوذكسيّ لهذا اللقاء بأن يحترم هذا الموقع من الجميع، فتأتي التسمية بناءً على الاستشارات التي تتمّ مع المرجعيات الأرثوذكسيّة وبخاصّة مع البطريرك يوحنّا العاشر يازجي ومع فعاليات الطائفة وهذا ما عبّر عنه البطريرك في عظة الأحد في البلمند، وما عبّر عنه المطرانان أنطونيوس الشدراوي وباسيليوس منصور.

  لقد ذكّر أبو فاضل بأنّ المطران لوقا خوري علّق صورة العماد ميشال عون على دير سيدة صيدنايا، كما علّقت في ما سلف في قرى وادي النصارى، وتلك إشارة إلى قناعة الأرثوذكس المشارقة بدور العماد ميشال عون الرياديّ والرئاسيّ في احتضانه المسيحيين المارقة انطلاقًا من لبنان.

لقد تبنّى رئيس الجمهورية تلك الرؤية المنبثّة، وأكّد الحرص مجدّدًا على دور لبنان ومسيحييه في البلوغ نحو الموقع الأوّل، لقد أكّد على التزاوج بين المشرقيّة والميثاقيّة وفي الوقت عينه قال أنّه سيعمد على تحسين ظروف الصفقة المفروضة على واقع التأليف ليأتي التمثيل الأرثوذكسيّ بحقيقته معبّرًا عن تلك الروحيّة القائمة على هذا التزاوج في المعنى بين الفلسفة الميثاقيّة والكيانيّة المشرقيّة. واعتبر أنّ الظروف ستكون أفضل من أي وقت مضى، سيحتل لبنان الموقع الأول أكثر من أي وقت مضى، والدليل زيارة ممثلي الدول العربية له والمؤتمر المصرفيّ الأوّل في بداية عهده، إنّه دليل ثقة حقيقيّة، وأكّد على أنه ماض في مكافحة الفساد وزج المفسدين في السجون، وإلى تنقية الدولة اللبنانية من كلّ الأدران المشوّهة لها.

اللقاء كان عميقًا جدًّا بين الرئيس واللقاء، تقول الاوساط الارثوذكية. إنه اللقاء بين الأرثوذكس المشارقة ورئيس جمهورية مسيحيي المشرق، فاللقاء هنأ وقال كلمته أمام رئيس الجمهورية بالنسبة لعدالة التمثيل وبخاصّة تمثيل الأثوذكس في المواقع الأساسيّة، والرئيس تفاعل عاطفيًّا وودانيًّا بواقع الزيارة، وأظهر محبته للأرثوذكس، وفي الأصل هو متأثر بهم كحالة أنطاكية ومشرقيّة فريدة. وأثبت اللقاء انّه الحزب الأرثوذكسي الوحيد بالعمق السياسيّ اللبنانيّ والمشرقيّ، الصارخ بالحقّ، والممثّل لجوهر الكنيسة بعمقها السياسيّ والروحيّ.

لقد فسّر بعض المقربين من رئيس الجمهوريّة اللقاء بين الرئيس واللقاء بأنّه نابع من القلب والوجدان ويعبّر عن حرص رئاسيّ بأننا كمسيحيين نملك عصبًا واحدًا وقلبًا وفكرًا واحدًا. هكذا انطلقنا من النضال المشترك، وكل هذا ساهم في وصول العماد عون نحو الرئاسة، وفي الرئاسة أدرك الرئيس العماد عون بمخاطبته الطيبة للأمين العام والأعضاء أنّ اللقاء هو الحزب الأرثوذكسيّ الأوّل القادر على إيصال الرؤى إلى الموقع الأول في لبنان، وقد نجح نجاحًا باهرًا.

وفي الختام من سيكون نائب الرئيس؟ المهم أن يأتي معبّرًا عن الصوت الأرثوذكسيّ والمسيحيّ المشرقيّ واللبنانيّ ليهنأ به الأرثوذكس واللبنانيون ولبنان، ويكون مكمّلاً لرسالة الرئيس في الموقع الأرثوذكسيّ الذي يبقى نصف رئيس وجزءًا من الرئاسة في لبنان.