IMLebanon

بين عُقاب صقر و«غربان» الممانعين

ثلاثة ايام مرت على المؤتمر الصحافي وما زال النائب عقاب صقر حديث إعلام الممانعة والممانعين وتغريداتهم. كلام «مؤامراتي» وتخويني كالعادة، انطلق منذ اللحظة الاولى للبث المباشر للمؤتمر ولم يهدأ حتى الساعة. نسي الجميع كل ما ورد في المؤتمر، عن «النصرة» و»داعش» والنظام السوري وتحرير جرود عرسال ومعركة جرود القاع المرتقبة، وردّ صقر على الصورة المفبركة له التي تدّعي قتاله في سوريا، وكذلك ردّه على خلافه مع الرئيس فؤاد السنيورة وانفصاله عن فريق عمل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وتركه بيت الوسط عائداً الى سويسرا.

كل الكلام الذي اتى على تفنيده صقر اختفى ولم يبق سواه وحيدا في الصورة. عقاب صقر الشيعي الشاب المنتمي الى تيار «المستقبل»، النائب الشيعي في البرلمان اللبناني خارج كتلتي «حزب الله» و«حركة امل» والمعارض الشرس لنهج وسياسات وارتكابات «حزب الله» الداخلية منها والخارجية، المناصر والمدافع عن دول الخليج في وجه الهيمنة والتمدد الايرانيَّين. لم يصدف ان تواجه صقر في اي من البرنامج السياسية الحوارية مع ضيف ثان، فعلى الاغلب لم يعثر «المعتدون» على من يقبل بالتطوع بنفسه ومحاورته او مواجهته في اي من الملفات السياسية مباشرة، ارجحية الصواب والاقناع مائلة إلى كفّته من دون ادنى شك. افتتح صقر عهدا جديدا من المعارضة العلنية والمباشرة والصريحة للهيمنة الايرانية بأدواتها المنتشرة في عدة دول، وبات الاكثر جرأة وشهرة في الوقوف في وجه «حزب الله».

طبعاً لا تبدو مقاربة امكانيات النائب صقر وباقي «الابواق» و»الغربان»التي تناولته متكافئة، بل هي اقرب الى ضرب من الجنون اقحموا أنفسهم فيه، اذ لا يزال هؤلاء تحديدا يفرضون على انفسهم سلوكيات لا تعد ولا تحصى من ردود الفعل السوقية والترهات والتهديد العلني، لكن الاستشراف في مقاربة دور هذه المنظومة التي تناوبت على الرد عليه، بدوره يبعث على الجنون. فبعيدا عن كل الكليشيهات التي طاردت النائب صقر منذ اكثر من ست سنوات، وأيضاً على اثر مؤتمره الصحفي الشهير في اسطنبول معلناً دعمه السياسي للمعارضة والشعب السوري والوقوف الى جانبهما في وجه النظام الاسدي، والتي ابتدعت مسألة «تعييره» بالسعي الى تقديم الاعانات الانسانية للاطفال السوريين، الا ان اصرار كل من تناوب على الرد عليه باستعادة هذه التفاهات ومن بينهم مراسلة احدى القنوات التي سألته مباشرة عن الموضوع، اظهر الافلاس الحقيقي لامكانية مواجهته بالفعل والمنطق في ما خص موضوع مؤتمره الحالي.

القضية ليست اذاً مقارنة اسلوب صقر بخصومه، ولا هي دفاعاً عنه كذلك، ليست فوقية أمنها بمعالجته وسرده ورده على الاحداث وفرضها عليهم، وليست انبهارا بنبرة متزنة وتراتبية عرض الحقائق واظهار خفايا وكواليس اكاذيب وادعاءات اعلام بكامله، الذي لم يتجرأ احد من الذين تناولوه بردودهم اصلا على التفوه بأي معلومة تدحض ما ورد في مؤتمره، فلم تسعفهم سوى لغتهم البديهية بالتهديد بالقتل والشتم والسباب، هي قضية حق المواطن اللبناني ان يعرف حقيقة الامور، حقيقة ما يدور من حوله بالوقائع المجردة، وحقيقة من يمنعه ويقطع طريقه للوصول اليها او مناقشتها ونشرها، وارغامه على العيش وسط الاضاليل التي لامست حدود الانتصارات الخرافية والكرتونية. بدا تواتر كل هذه الردود اشبه باغتصاب لحرية التعبير والتفكير… اغتصاب للبنانيتنا التي لا عمل لهذه المنظومة سوى تجريدنا منها.

نماذج رد منحدرة المستوى تناولت صقر. فبعد سؤال مقدمة برنامج تلفزيون الـ NBN للصحافي سالم زهران عن رأيه في ان «النظام السوري وحزب الله ابعدا مالك التلي عن جرود عرسال تمهيدا لاعطائه دورا جديدا في منطقة اخرى يخدمهم في المستقبل»، يرد زهران «طول عمره عقاب صقر بايخ، ما بدي ضيع وقتي وردّ». وللتذكير فإن المفاوضات بين مالك التلي و»حزب الله» دامت لايام بهدف استرجاع اسرى الحزب وتم بعدها السماح له بالهرب الى الداخل السوري مع كامل عتاده العسكري والبشري والمالي دون تصفيته من قبل الحزب الذي يدعي محاربة الارهاب والارهابيين. اما الصحافي علي حجازي، فلم يجد طريقة للردّ سوى قوله ان «افراد عائلة صقر يخجلون منه». بدوره، اللواء جميل السيد لم يستطع الدفاع عن نفسه سوى بوصف صقر بـ «الكلب» في احدى تغريداته. وتطول لائحة «الإفلاس» الأخلاقي «الممانعاتي» من ناصر قنديل وجهاد مراد واحمد شلاش وغسان جواد ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، زملاء المحور الواحد باتوا زملاء في الشتم والتفاهة هرباً من واقعهم المخزي، لتأتي ذروة المواقف هذه بمقال للشيخ صادق النابلسي هدد فيه النائب صقر بالقتل حرفياً «على النائب عقاب صقر الاحتراز، وعليه أنْ يضمن لنفسه أنْ لا يستفيق ذات صباح ليجد جسده مفصولاً عن رأسه».

ردود استفزازية، غير واقعية وغير مقبولة في الحياة السياسية اللبنانية (او اي دولة على وجه الارض). وبين تهديد النابلسي وشتم الاعلاميين ورد ميقاتي المموّه، يبدو ان المشهد الاعلامي والثقافي والسياسي لمحور الممانعة ملوث اكثر من المتوقع.