Site icon IMLebanon

بين بعبدا و«حزب الله» خللٌ في التنسيق

 

من المفترض أن تتحرّك الاتّصالات والمشاورات لإيجاد حلٍّ لاكتمال التشكيلة الحكوميّة مع عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان.

 

قبيل مغادرته كان التقى بعيداً من الإعلام كما درجت العادة مساعد أمين عام «حزب الله» حسين خليل الذي أبلغه تمنّع «حزب الله» عن تسمية وزرائه طالما لم يتم التفاهم مع النواب السنّة المستقلين.

 

وأجابه الحريري قائلاً: يعني أستطيع أن أفهم منك أنّ «حزب الله» لن يشارك في الحكومة من دون إعطاء مقعد وزاري لهؤلاء.

 

– حسين خليل: بالتأكيد لا. لم نتعوّد أن نتخلّى عن حلفائنا خصوصاً وأنهم يحملون مطلباً محقّاً.

 

بعدها ركب الحريري طائرته وذهب في رحلة جمعت بين تلبية مناسبة خاصة وتوجيه رسالة اعتراض. الحريري الذي كان التقى الوزير جبران باسيل استمع لاحقاً الى موقف رئيس الجمهورية المتضامن معه والذي كرّره مرتين خلال اللقاء الإعلامي.

 

وخلال غياب الرئيس الحريري تجمّدت الاتّصالات خصوصاً وأنّ موقف رئيس الجمهورية أثار «لغطاً» واسعاً حول علاقته بـ»حزب الله» ، وما زاد طين اللغط بلّة، انقطاع التواصل بين رئيس الجمهورية و«حزب الله».

 

صحيح أنّ انقطاع التواصل هذا دفع بالبعض للحديث عن خلاف، لكنّ الواقعية تفرض وصف ما حصل بالخلل في التنسيق اكثر منه بالخلاف.

 

موقف «حزب الله» الرسمي بات معروفاً. فهو لن يدخل في سجال مع رئيس الجمهورية، «وما لدينا من ملاحظات نقوله في المجالس المغلقة، فنحن لا نوجّه ملاحظاتٍ لحلفائنا عبر الإعلام. ونرى دائماً أنّ هناك جبلاً في قصر بعبدا كما قال أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله».

 

ورغم «الغمزة» الناعمة في موقف «حزب الله» الرسمي حول عدم تبادل الملاحظات بين الحلفاء عبر الإعلام، إلّا أنّ المراقبين قرأوا أبعد من ذلك جراء انقطاع التواصل بين الطرفين.

 

فالواضح أنّ «حزب الله» منزعج بسبب ملاحظات رئيس الجمهورية العلنيّة، اضافة الى ورود عبارة «انّ التكتكة تؤثر في الاستراتيجيا». وظهر في العديد من وسائل الإعلام ما مفاده أنّ أسلوبَ «التكتكة» هذا استعمله «حزب الله» سابقاً في معارك توزير جبران باسيل وحتى في معركة دعم وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية وبمشاركة «التيار الوطني الحر».

 

ورغم ذلك فإنه من المبالغ فيه الحديث عن خلاف. فالأقرب للواقع توصيف «خلاف في التنسيق».

 

وبخلاف بعض الأجواء السياسية، فإنّ ما بات يُعرف بالعُقدة السنّية ليس مقفلاً، ولكنه بحاجة لإخراج وهو ما سيتبلور مع عودة الحريري، خصوصاً وأنّ مصلحة الجميع هي في الإسراع بتأمين ولادة الحكومة.

 

وبخلاف التقييم الضيّق لموقف «حزب الله»، فإنّ المقاربة الواقعية لا بدّ من أن تلحظ ثلاثة مستويات:

 

الأول، إقليمي: فمع الاتّفاق الذي حصل في العراق كان من المرجّح أن تولد الحكومة بسهولة وسلاسة أكبر لكنّ اغتيالَ جمال الخاشقجي قلب المعطيات في المنطقة، ودفع بالسعودية للانكفاء عن القضايا الاقليمية لصالح معالجة أزمتها الداخلية.

 

وصحيح أنّ هذا التطوّر ألزم القوات اللبنانية بالتراجع والدخول تحت سقف متواضع الى الحكومة، لكنه في الوقت نفسه وضع حسابات أخرى منها التمسّك بعدم حصريّة التمثيل الوزاري السنّي بتيار المستقبل، وفتح الأبواب الوزارية امام تعميم التوازنات النيابية الجديدة على الحكومة المقبلة.

 

فالحكومة ستعمّر أربع سنوات ما يعني وجوب تماهيها مع المستجدّات الإقليمية. فالضغط الدولي الكبير يوشك أن يُنهي حرب اليمن مع الاعتراف بنفوذ إيراني في البلاد، والصورة الإقليمية تبشّر بأكثر.

 

المستوى الثاني مبدئي وله علاقة بالتزام «حزب الله» بحلفائه خصوصاً وأنهم فازوا على مرشحي تيار المستقبل على الساحة السنّية مثل: فيصل كرامي وجهاد الصمد وعبد الرحيم مراد واسامة سعد وعدنان الطرابلسي وغيرهم من الشخصيات، ما جمع أكثر من ثلث المقاعد النيابية السنّية التي التزم أصحابها مع «حزب الله» على الرغم من الظروف الصعبة داخل بيئتها ما يجعل قيادة الحزب ملزمة بالتمسّك بها.

 

وهذه المجموعات أمّنت تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، ولولاها لما نجح الثنائي الشيعي و«التيار الوطني الحر» في تأمين الثلث النيابي المعطّل، في وقت كان يسعى فيه تيار المستقبل لإيصال مرشّح آخر الى قصر بعبدا لو تأمّن النصاب.

 

والمستوى الثالث هو السياسي– الحكومي وله علاقة بترجمة نتائج الانتخابات النيابية والتحوّلات والاستحقاقات المنتظرة والتوازنات داخل الحكومة.

 

وقيل هنا إنه إذا كانت معارضة الحريري لهذا التمثيل معروفة، فإنّ لموقف رئيس الجمهورية المعارض علاقة بالثلث المعطل الذي كان نجح بإعادة تأمينه عبر الالتفاف على المقعد الدرزي الثالث وترك تسمية المرشح له. ووفق ما راج فإنّ رئيس الحكومة يحظى بورقة تعطيل الحكومة وبالتالي التحكّم بمسارها من خلال صلاحياته الدستورية.

 

كما أنّ الثنائي الشيعي يحمل ورقة التعطيل نفسها، وفق العرف الذي جرى استحداثه أخيراً والمتعلق بالميثاقية. فيما يصبح صوت وتأثير رئيس الجمهورية أضعف من دون هذه الورقة، ما يدفعه لحيازة الثلث الوزاري المعطل بيده وحده، ويذهب هؤلاء الى الملفات التي ستُطرح على جلسات مجلس الوزراء وايضاً الاستحقاق الرئاسي المقبل وإدارة الحكومة لمرحلة الفراغ الرئاسي.

 

في المحصلة فإنّ «حزب الله» متمسّكٌ بموقف حلفائه، والرئيس الحريري يعلن رفضه القاطع ورئيس الجمهورية ألزم نفسَه بما أعلنه. هذه الصورة تعطي الاستنتاج بأنّ الامور مقفلة، لكنّ الدخول في بعض التحركات الحاصلة في الكواليس تُظهر أنّ ثمّة مخارج يجري العمل على إنضاجها.

 

بداية أنّ النواب السنّة المستقلين ينتظرون عودة كرامي ومراد من سفرهما لطلب موعد لزيارة قصر بعبدا هذا الاسبوع، لإسماع وجهة نظرهم لرئيس الجمهورية، لا سيما وأنّ أحداً لم يستمع لوجهة نظرهم ولم يناقشهم بها.

 

وسيطالب هؤلاء بأن تكون حصتهم من الحصة السنّية لا من حصة رئيس الجمهورية يعني أنّ طلبهم موجّهٌ الى الرئيس الحريري. وبمعنى إضافي أن يتولّى رئيس الجمهورية لعبَ دور الحكم وإيجاد الحلول.

 

في المقابل فإنّ الحريري كان قد وضع «فيتو» نهائيّاً وكاملاً على ثلاثة نواب هم: اسامة سعد (لأسباب صيداوية) وعبد الرحيم مراد (لأسباب الصراع الحاد بينهما) وجهاد الصمد (لأنه لم يسمِّ الحريري لرئاسة الحكومة خلال الاستشارات).

 

ما يعني أنّ الحريري قد يقبل بأيّ اسم من الأسماء الاخرى شرط ألّا تكون من حصته المباشرة. كما أنّ إمكانَ إعطاء التزامات لرئيس الجمهورية بشأن الوزير السنّي من حصته سيجعل الامور قابلةً أكثر للحلحلة.

 

ويروي مصدر في «حزب الله» أنّ الحريري طلب في مرحلة سابقة مساعدة الحزب لدفع جبران باسيل للتراجع وهو دور لم يرضَ القيام به، وأنّ سعيَ الحريري للقيام باللعبة نفسها ولكن بشكل معاكس لن يلقَ نجاحاً ايضاً.

 

وحتى الساعة لم يقرّر أمين عام «حزب الله» ما إذا كان سيتطرّق في كلمته يوم السبت المقبل للأزمة الحكومية. الارجح أنه سينتظر حصول تطورات أو بداية حلول ليقرّرَ على أثرها تضمين كلامه الرسائل المطلوبة.

 

وبغض النظر عن المكابرة التي يحاول اصطناعُها كل الفرقاء ضمن لعبة دفع الفريق الآخر للتراجع قبله، فإنّ الواقع الاقتصادي لا يُعطي لهذه المناورات أيَّ مصداقية.

 

ووفق خبراء إقتصاديين فإنّ معدلات النموّ ما بين واحد واثنين بالمئة والدين العام بلغ اكثر من 150% من الناتج المحلي نهاية 2017. والأهم أنّ التصنيف العالمي للفساد أسقط لبنان من المرتبة 63 في العام 2005 الى المرتبة 143 للعام 2017. ما يعني أن لا مجال للدلع.