عندما مهّد رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» الدُكتور سمير جعجع طريق قصر بعبدا أمام العماد ميشال عون، كان يعتقد أنّ وُصول «الجنرال» إلى رئاسة الجمهوريّة، بفضل «القوّات» – إلى جانب غيرها من القوى والأحزاب بطبيعة الحال، سيجعل تعامل «التيار الوطني الحُرّ» معها من الندّ للندّ على مُستوى الحُكم والقرارات السياسيّة والإقتصاديّة والتعيينات، إلخ. لكنّ هذا الأمر لم يحصل، الأمر الذي جعل العلاقة الثنائيّة تتراجع تدريجًا، لتبلغ أخيراً مرحلة مُتقدّمة لا يتوانى فيها رئيس «التيّار» وزير الخارجية والمُغتربين جبران باسيل عن إتهام «القوّات» بالإنقلاب على التفاهم مع «التيّار». فما الذي يحصل وما هي أسبابه؟
أوساط سياسيّة قريبة من «التيّار الوطني الحُرّ» رأت أنّ «القوّات» خرجت على التفاهم الثنائي عندما راحت تُعارض الكثير من مشاريع وزراء «التيّار» بشكل مُتكرّر، الأمر الذي أسفر عن إبطاء سرعة دوران عجلة الحُكم، وعن تجميد الكثير من مشاريع الإصلاح والنهوض التي يحملها مُمثّلو «الوطني الحُرّ» في السلطة. وأضافت أنّ «القوّات» راحت أيضًا تُقدّم مُرشّحين للإنتخابات النيابيّة من دون أي تنسيق، بشكل يتجاهل مصالح «التيّار» في مُختلف الدوائر، ويُعرّض بعض مرشّحيه للخطر في عدد منها. وأضافت الأوساط «العَونيّة» نفسها أنّ الأخطر جاء أخيراً عندما قامت «القوّات» بملاقاة مُحاولة إسقاط الحكومة اللبنانيّة، وهو الأمر الذي كان من شأنه أن يُدخل لبنان في أزمة سياسية عميقة لا يُمكن التنبؤ بنهايتها، وأن يُدخل المؤسّسات الرسميّة كلّها في شلل كبير، وسألت: «أليس هذا التصرّف ضرباً للعهد وإفشالاً له، وإنقلابًا على التفاهم الذي كان يقضي بأن تكون القوّات إلى جانب رئيس الجمهورية سياسياً لتقوية الموقع المسيحي الأوّل، وإلى جانب التيّار لتعزيز الحُقوق؟».
في المقابل، رأت أوساط قريبة من «القوّات اللبنانيّة» أنّ التفاهم مع «التيّار الوطني الحُرّ» لم يكن على إدخال ثلاثة وزراء للقوّات زائد واحد إلى الحُكومة فقط لا غير، بل كان مبنيًا على مجموعة من التفاهمات السياسية الواضحة، منها مُعلن ومنها خلف الكواليس، تقضي بأن يكون الرئيس في موقع قيادي حيادي، وأن تكون «القوّات» شريكًا فاعلاً في الحُكم والسُلطة التنفيذيّة، بينما على الأرض جرى الخروج عن «إعلان النيّات» وعن «تفاهم معراب» في أكثر من محطّة سياسيّة مفصليّة، وجرى تجاهل «القوّات» في التعيينات بشكل يكاد يكون شبه كامل، وتمّت مُحاولات عدّة للإتفاف على «القوّات» ولإفراغ تأثيرها من مضمونه، عبر عقد إتفاقات مع باقي القوى السياسيّة، جزء منها إنتخابي وجزء منها إقتصادي. ولفتت الأوساط إلى أنّه على الصعيد الإنتخابي، تُوجد مُحاولات جدّية لتطويق «القوّات» وحتى لمُحاولة عزلها، عبر تحالفات سياسيّة هجينة وغير منطقيّة. وأضافت الأوساط «القوّاتيّة» عينها أنّه خلال الأزمة السياسيّة الأخيرة، لعب رئيس «التيّار» دوراً مُستغربًا في تصوير «القوّات» وكأنّها كانت تعمل سرًّا على ضرب رئيس الحكومة سعد الحريري وعلى ضرب العهد، بينما كانت «القوّات» تُحاول إستغلال عامل الإستقالة للدفع نحو تحقيق مكاسب على صعيد نأي لبنان عن صراعات المنطقة وتوقّف تدخّل «حزب الله» إقليمياً، وهو ما تحقّق أصلاً ـ ولوّ من الباب النظري، في بيان أوّل جلسة حكوميّة بعد الإستقالة، في إنتظار أن تتمّ ترجمة هذا الأمر ميدانياً.
وما لم تقله أوساط كل من «الوطني الحُرّ» و«القوات»، كشفه مصدر سياسي مُطلع بأنّه حتى لو جرت مُعالجة كل الشوائب والثغرات بين الطرفين، من الصعب جداً ما لم يكن من المُستحيل نجاح أي تحالف بين «القوّات» والوزير باسيل، لأنّ هذا الأخير يرغب بأن يؤسّس قاعدة شعبيّة مناطقيّة له تكون بمثابة نواة صلبة لمشاريعه السياسيّة المُستقبلية، وقد شاء القدر أن يكون باسيل من منطقة البترون، ما جعل طموحه لأن يُصبح نائباً يصطدم بحرص «القوّات» المُفرط على الإحتفاظ بعرينها السياسي في منطقة الشمال ككل، حيث لها 4 نوّاب من أصل 8 حاليًا، وحيث تطمح للإحتفاظ بتفوّقها السياسي والشعبي في المنطقة التي يُزاحمها عليها أساسًا قطب شمالي آخر هو الوزير السابق سليمان فرنجيّة و«تيّار المردة» إضافة إلى مجموعة من القوى السياسيّة والحزبيّة والشخصيّات المناطقيّة. ورأى المصدر نفسه أنّ مقعد البترون النيابي يُشكّل اليوم جزءا كبيرا من خلاف الوزير باسيل مع «القوّات»، ومنصب رئاسة الجُمهوريّة سيُشكّل بدوره السبب الأهم في المُستقبل ليجعل التحالف بين «القوّات» وباسيل مُستحيلاً! وختم قائلاً إنّ المُشكلة تكمن في أنّ الرئيس عوّن وضع ملفّ العلاقة مع «القوّات» بيد الوزير باسيل، ما يعني أنّ أيّ تصحيح لمسار هذه العلاقة يجب أن يمرّ به.