IMLebanon

حكاية الرمانة والقلوب المليانة ومطحنة الملح بين بري وعون

لا نقول جديداً إذا قلنا إن العلاقة بين الرئيس نبيه بري والرئيس العماد ميشال عون ليست على ما يرام. فما بين الرجلين يصفونه في السياسة بـ »دواء ضد التفاهم«. وهذا أمرٌ مزمن وليس إبن ساعته، مع أنّ ما »يجب« أن يجمع الرجلين يفترض أنه أكثر بكثير ممّا يفرّق بينهما.

وفي وقت يبدو رئيس المجلس النيابي منزعجاً ممّا يُشاع ويذاع عن تقويم زعيم التيار الوطني الحر لمواقفه، فإن الحقيقة تبيّـن أن »دولة عين التينة« هي التي تتكلم، بينما »دولة الرابية« تعتصم بحبل الصمت… فلم يُسجل أي كلام للجنرال لا في العموميات، ولا في التخصيص وبالذات في ما يتعلق بالعلاقة الثنائية مع الاستاذ.

وأول ما يجمع بين بري وعون أن الإثنين آتيان من نسيج مماثل. فالإثنان صعدا من القاعدة: من محام عادي تسلق بري الأدراج ليستقر سعيداً في موقعين كبيرين: قيادة حركة أمل ورئاسة مجلس النواب المزمنة. ومن ضابط ملازم تسلّق عون الأدراج ليستقر غير سعيد في قصر بعبدا رئيساً للحكومة الإنتقالية، وليترأس حركة شعبية ضخمة استقرت أخيراً على ثنائية التيار الوطني الحر والعونيين غير المنضوين حزبياً.

وعندما أطل الإثنان على الحقل العام جاءت اطلالتهما من »بوز المدفع«: بري من الميليشيات وعون من الجيش. وشاءت أقدارهما (ولا نقول خياراتهما) ان يكونا متواجهين عسكرياً، بشكل أو بآخر. إذ فيما كان نبيه بري حليفاً بارزاً للوصاية السورية، كان ميشال عون شاهراً بندقيته  في وجهها (حرب التحرير).

ثم كانت المواجهة سلباً: خسر عون حربه وربح بري في خياراته فأصبح الرقم الصعب في المعادلة التي نشأت منذ أواسط الثمانينات واستمرت حتى اليوم بالرغم من التغيير في المعادلات.

وأيضاً بقيت المواجهة، وإنْ سياسية، بعد عودة عون من المنفى الطويل (خمس عشرة سنة) كان بري يتنعم خلالها بمكاسب الحكم، فقد كان عون ركناً كبيراً في 14 آذار عندما فرغت بيوت المسيحيين من قاطنيها ليتدفقوا الى الساحة الشهيرة، بينما كان نبيه بري ركناً كبيراً في 8 آذار… ولا يزال. أما عون فحليف لهذا الفريق، اليوم، وليس منخرطاً في صفوفه.

وبلغت المواجهة ذروتها عندما جرت الإنتخابات النيابية في العام 2005  حيث »تواطأ« (بالمعنى السياسي) أركان 14 آذار و 8 آذار في تأليف ما سمي بـ»الحلف الرباعي« بهدف واحد لا غير هو إقامة سدّ أمام موجات التسونامي العوني التي كانت آنذاك في ذروة اندفاعها. والملاحظ ان الحلف ذاك سمي رباعياً ( أمل+ حزب اللّه + المستقبل + الإشتراكي) بالرغم من انه كان يضم المسيحي الذي لم يرد ذكره ولو من باب اللياقة في التسمية.

وكانت ذروة الذروة إصرار عون على خوض معركة جزين وتسجيله إنتصاراً فيها يصفه بأنه »استرداد« قرارها. وهذه كانت الشعرة التي قصمت ظهر بعير العلاقة بين بري وعون التي لم تكن أصلاً إيجابية… والتي دفعت بري الى إتخاذ هذا الموقف القاسي من ترشح عون للرئاسة، بالرغم من كلامه لإلياس الفرزلي حول »لو طحنوا الملح على ظهري فلن أنسى مواقف الجنرال«.