IMLebanon

بين درّاجة الحريري.. و«صُدفة» السفارة

لا يمكن صعود الوزير جبران باسيل على الدراجة النارية للرئيس سعد الحريري البرتقالية اللون، ولا صورة الوجوه المبتسمة والمنشرحة التي جمعت في كادر واحد، خلال حفل استقبال السفارة الأميركية، قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز مع الوزيرين أشرف ريفي والياس بو صعب، أن تغيّر في «مسار انقلابي» بدأ يشقّ طريقه لكن.. الى الوراء!

على الأرجح، ما حُكي دوماً عن أنه «خميرة» لتفاهمات ممكنة في الرئاسة والتعيينات بين «التيار الوطني الحر» و «تيار المستقبل» منذ لحظة لقاء «الصفحة الجديدة» في روما في كانون الثاني 2014 حتى عشاء بيت الوسط المحتفي بـ «عيد الجنرال»، أصبح في خبر كان.

العونيون الى المتاريس مجددا مطلقين «نيران» اعتراضهم على الفريق «الأزرق» الذي لم يلتزم بتعهداته.. لكن مصدرا وثيق الصلة بعون يجزم «لا هدنة مع أحد في موضوع الحكومة والتعيينات. مع ذلك، هذا المشهد لم يقطع إطلاقا خيط الاتصالات بينا وبين «المستقبل».

يحدث ذلك اليوم في مشهد مغاير تماما لما تخيّله العونيون قبل نحو عام تقريبا. آنذاك، واستنادا الى غلّة متواضعة من التقارب مع «الشيخ» الذي يريد مصالحة «وطنية» مع ميشال عون في زمن الإرهاب والتطرّف، وفي وقت ترقص فيه «داعش» فوق الرؤوس المقطوعة، تراءى للرابية أن لا مفرّ من معادلة تعيد للداخل توازنه: ميشال عون رئيسا للجمهورية وسعد الحريري رئيسا للحكومة.

كان يومها الفراغ الرئاسي قد بدأ يطوي شهوره الاولى الثقيلة، والحريري يعود الى بيروت من بوابة عرسال المنكوبة بنكسة الثاني من آب. من هنا بدأ الرهان على أن ما بعد لقاء روما ليس كما قبله. بُنيت السيناريوهات العفوية على ما يعتبره العونيون «صدق الحريري ونياته الطيبة، وتمسّكه بخيار الاعتدال السنّي في ظل معركة وجود ومصير مع منظّمات إرهابية لا تفرّق في المواجهة مع الجيش بين ضابط سنّي محسوب على الشهيد رفيق الحريري وعلى آخر شيعي أو مسيحي».

في عمق الحلقة الضيقة المحيطة بعون من استخلص، بعد تجربة كسر الحواجز مع نجل رفيق الحريري، بأن هناك فارقا في الذهنيات والسلوكيات والنيات بين فريق سعد الحريري «المغلوب على أمره» ومشروع السنيورة «لإعادة هدم» كل أساسات التقارب مع الرابية.

هؤلاء يتحدّثون بكثير من الثقة عن حصول ما يشبه الانقلاب داخل «المستقبل» قائده فؤاد السنيورة. هكذا، بعد مجاهرة من الحريري على مدى أكثر من عام، عبره شخصيا أو عبر رسله، بإمكانية التوصّل الى تفاهمات وصياغات مشتركة مع الخصم المسيحي السابق، تطوّع «دولة الرئيس» لقطع الطريق أمام تسويات كان يمكن أن تكون تاريخية بين الفريقين.

وبالصراحة نفسها يقول هذا الفريق: لقد هُزِم «جناح الحريري» في معركة داخلية تفوّق فيها فريق السنيورة. وها هو يتصرّف على أساس أن الحكومة و «تيار المستقبل» والكتلة النيابية و «دار الفتوى» تحت سيطرته، فيما الجفاء بينه وبين النائبة بهية الحريري يشي بالكثير. أما الوزير نهاد المشنوق الذي مدّد سنتين للمدير العام لقوى الامن الداخلي فقد كان خارج دائرة فريق السنيورة، لكن حين اكتشف أن المعركة حسمت لمصلحة الأخير عاد وانضمّ الى سرب المحاربين لعون.

وفي هذا السياق يستبعد هؤلاء تماما ان تكون معارك رموز في «تيار المستقبل» ضد عون هي بتواطؤ صامت مع سعد الحريري، «هو لا يستطيع ان يفعل ذلك، وإلا يكون قد بَهدَل جماعته التي على مدى أشهر طويلة كانت تعزف على وتر مناقض تماما». خلاصة واحدة لهذا الانقلاب على طاولة الرابية «البلد والمؤسسات والتعيينات والحكومة والرئاسة وعرسال… هم ضحايا هذا الصراع الداخلي».

بغض النظر عن هذه المقاربة الملتبسة للبعض، ما دام يستحيل أن تفتح «دكانة السنيورة» بهذا القدر من التجييش والتحريض من دون غطاء «الشيخ»، فإن عون يبدو مصمّما أكثر من أي وقت مضى على المواجهة وصولا حتى التفتيش عن «قاعة» لعقد «المؤتمر التأسيسي» الكفيل وحده بترميم عيوب النظام النافرة بحق المسيحيين وقادتهم.

سيكون ميشال عون مستعدّا للمجاهرة أمام الجميع: «أين صلاحيات المسيحيين، وأين صلاحيات الشيعة؟ بهذه الصلاحيات الرئاسية فليذهبوا هم الى قصر بعبدا. هل يقبلون بإعطائنا رئاسة الحكومة وأخذ رئاسة الجمهورية!».

«الجنرال»، عمليا، مطمئنّ ومرتاح أكثر مما يظنّه البعض. في حلقته الضيقة من يجزم «بأنه لا عودة إطلاقا الى الوراء. حين اتّخذ القرار برفض البحث في أي موضوع داخل الحكومة قبل بتّ بند التعيينات، حصل ذلك بالتنسيق الشخصي مع السيد حسن نصرالله والنائب سليمان فرنجية والطاشناق. وهذا الواقع قائم ومستمر الى حين تفرض الظروف اتّخاذ مواقف أخرى ستمرّ حتما بقناة التنسيق نفسها».

لن يكون تفصيلا في الرابية ان يقول الشيخ نعيم قاسم ما قاله في ميشال عون والرئاسة بعد يوم واحد من زيارة رئيس الحكومة لليرزة، مع كل ما رافق هذه الزيارة من احتفاليات جرّت المؤسسة، برأي العونيين، الى مزيد من التسسييس.

باستثناء الرئيس بري يتصرّف عون على أساس أن حلفاءه معه في معركته الحكومية. ومن خارجها، بات يرى اليوم ان جزءا من الدروز معه أيضا، اتكاء على العِبر المستخلصة من مجزرة قلب لوزة في إدلب والأحداث في السويداء.