الكرسي الرسولي، ممتعضة من القيادات المارونية ومن سياساتهم التي أدت إلى إضعاف دور بكركي وإلى تهديد الوجود المسيحي في لبنان، وفي كل المنطقة العربية، وتعترف بأنها سعت لدى هذه القيادات المارونية بالذات بعدم تجاوز بكركي التي شكلت على مر العصور المرجعية الدينية والسياسية للطائفة ولكل الطوائف المسيحية في لبنان وأنطاكية وسائر المشرق، وكانت ناجحة في المحافظة على كيانهم ووجودهم في هذه المنطقة ذات الغالبية الإسلامية، لكن مسعاها باء بالفشل بسبب تخطي هذه القيادات المارونية لبكركي ما أدى إلى تغييب دورها وإضعافها على مستوى القرار الوطني المسيحي أمام تقدّم واضح لهؤلاء القادة الذين يتخطونها بسبب غياب الموقف والرؤية والحزم وانحلال العصب المسيحي لدى الزعماء الموزّعي الولاء بين المكوّنين الطائفيين السنّي والشيعي وبين المحاور الإقليمية المتمثلة بسوريا وإيران والسعودية مما أفقد المسيحيين دورهم الفاعل وحضورهم المميّز على المستوى الوطني العام على حدّ ما ورد في تقرير رفعه أحد كبار الكرادلة في الفاتيكان كان زار لبنان مؤخراً بتكليف من البابا واجتمع مع البطريرك بشارة الراعي والقادة الموارنة وقيادات لبنانية أخرى.
وبصرف النظر عمّا إذا كان هذا التقرير المنسوب إلى أحد كرادلة الفاتيكان صحيحاً أم لا فإن ما ورد فيه يعكس بدقة متناهية الوضع المسيحي في لبنان نتيجة سياسيات بعض القادة الموارنة الذين ربطوا أنفسهم بالمحاور الإقليمية، وليس جميعهم دون استثناء كما جاء في هذا التقرير وكان يتوجّب على واضعيه التخصيص وليس التعميم، ووضع كل القادة الموارنة في سلّة أو في موقع واحد.
صحيح أن البعض منهم تجاوز بكركي ودورها وذهب بعيداً في هذه التجاوزات مما أدى إلى إضعافها وإلى إفقاد المسيحيين دورهم الفاعل وحضورهم المميّز على المستوى الوطني العام لكن الصحيح أيضاً والذي كان يتوجّب أن لا يغيب عن واضع التقرير أن البعض الآخر من هؤلاء القادة كانوا وما زالوا تحت عباءة بكركي وحريصين كل الحرص على دورها التاريخي في الحفاظ على الوجود المسيحي في المنطقة وعلى الحضور الوطني المميّز لمسيحيّي لبنان تحديداً وبالتالي تمسكهم بسياسة لبنان التقليدية التي كان لبكركي دور أساسي في رسمها وترسيخها والمبنية أولاً وآخراً على الحياد وعدم الدخول في المحاور الإقليمية، ولا بدّ في هذا المجال من التذكير بمواقف الرئيس ميشال سليمان ورئيس حزب الكتائب السابق الشيخ أمين الجميّل ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في هيئة الحوار الوطني وفي كل المحطات الوطنية الأخرى وأيضاً في الاجتماعات التي ترأسها البطريرك الراعي للقادة الموارنة الأربعة وكان محورها الأساسي ضرورة وقف تصدّع الموقف المسيحي وضرورة التزام القادة بمبدأ تحييد لبنان وعدم إدخاله في المحاور الإقليمية، لكنها اصطدمت بتعنّت رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد عون وإصراره على الذهاب بعيداً في سياسة ربط لبنان بالمحور الإيراني ما أوصل المسيحيين إلى الحالة التي عبّر عنها بدقّة تقرير كبير كرادلة الفاتيكان.