IMLebanon

بين المواطنة والطائفة

لم أشعر يوماً، سياسياً أو تنظيمياً، أنّني أنتمي إلى طائفة توجّهني لكي أؤيد أو لكي أميل إلى فكر عقائدي أو سياسي أو حزبي معيّن، أو أنّها تعارض وتُخاصم فكراً ما أو عقيدةً حزبية معيّنة…كما لم أستمدّ من هذا المذهب مواطنيتي، بمعنى إذا كانت الطائفة التي أنتمي إليها روحياً تمارس دوراً في الحكم أصبح لبنانياً أدافع عن فكرته وعن نهائية هذا الوطن، وفي حال أخرِجت أو اضطهدتُ من أركان النظام، عليّ حكماً أن ارفض فكرة وطن الـ 10452 كلم وأرتمي من دون تفكير بحضن اليونان أو روسيا الاتحادية… فأنا تربّيت على أنّني أولاً مواطن لبناني وعلى الدولة ان تحميني وتساعدني لأحقّق احلامي، امّا طائفتي ومذهبي فشأن آخر.

وطالما إنّ الشيء بالشيء يُذكر، لا أذكر أنّ هناك من دعاني يوماً إلى أيّ اجتماع لكي أناقش فيه الموقع السياسي للطائفة التي أنتمي بكامل إرادتي إليها روحياً ودينياً… في هذا الأمر كنتُ أشعر بأنني حرٌ ولا أحد يقيّد اعمالي أو يملي عليّ ما أريد فعله … وأنا على يقين بأنّ هذه هي حال كلّ من يتعاطى الشأنَ العام من اعضاء طائفتي، فهؤلاء أسّسوا احزاباً لعبَت دوراً كبيراً في الحياة السياسية اللبنانية، وانخرطوا في اخرى قائمة سواء أكانت عقائدية يسارية او يمينية، إلتزامُهم الحزبي لم يمنعهم من المحافظة على هامش من حرّيةٍ عانوا من اجلِها الكثير، والدليل على ذلك أنّ معظم المطرودين من أحزابهم هم من الأرثوذكس، ذلك لأنهم آمنوا بحزب المؤسسة لا حزب الزعيم الأوحد الذي لا يخطئ، من هنا كانت تجاربهم مريرة مع احلامهم وآمالهم بأحزابهم.

كلّ ما اعرفه عن هذه المجموعة من الناس انّها تعيش في كلّ المناطق اللبنانية من اقصى الجنوب الى اقصى الشمال تتمثّل في بعض المناطق بنواب ووزراء وتُحرم من التمثيل في مناطق كثيرة، وهي تَرفض ان يُسفك دم مِن اجل أن تحقّق مطامع سياسية وإدارية، يكفيها أنّها تنتمي الى وطن اسمُه لبنان، وإلى دولة لها قوانينُها وأنظمتها، دولةٍ ترعى شؤون افرادِها على أنّهم مواطنون لا رعايا أو أجَراء أو عاملون في حقل الزعيم والطائفة والاحزاب…

طائفة عملت على تطوير قوانينها وأنظمتها الشخصية حتى أضحَت تحمل الكثير من المساواة بين الرجل والمرأة، وأضحت مضربَ مثَل في هذا المجال. طائفة تضمّ بين أفرادها الفقيرَ والغني المؤمنَ والملحد، أفرادها آمَنوا بالعِلم والتطور والترقّي والانتماء الى حرية الانسان أوّلاً وإلى الوطن ثانياً على ان يسوده السلام، إذ إنّهم عانوا الأمرَّين خلال الحرب فتهجّروا من مناطقهم وهاجَر منهم العديد، حتى إنّ الارقام تشير الى انّهم اكبر طائفة تَركت لبنان الى بلاد الله الواسعة…

طائفة تخاف فعلاً على مسيحيّي المشرق من دون أن تستعمل خوفَها لتحقق بعضَ المكاسب داخل النظام الطائفي اللبناني، فهي تدرك أنّ حضورها التاريخي والمستقبلي لا يقوم على منفعةٍ صغيرة وإنما على تفاهمٍ عميق حقيقي مع سائر مكوّنات الوطن، يتمثّل بمصالحة ضرورية وبإقرار قانون انتخابي عادل يؤمّن التمثيل الفعلي والصحيح لكلّ المواطنين…

وتؤمن أنّ هذا القانون هو المنطلق لخلق حياة سياسية صحّية وصحيحة، تُبعد الطوائف عن «شحذِ» مركزٍ أو وظيفة أو منصب وتَمنعهم من التقوقع داخل جدران خوفهم كما تمنع عنهم الذوبانَ في طوائف أكبر أو أقوى منهم… وخصوصاً أنّ هذا القانون، في حال إقراره، يقفِل الدكاكينَ التي تدَّعي أنّها تحمي الطوائف، والأرثوذكس منهم… أمّا غير ذلك فهو كلام لا يغني، ومضيعةٌ للوقت لا تفيد، واستغلالُ حاجات الناس للوصول إلى مقعدٍ نيابي أو وزاري.