IMLebanon

بين «احتواء» انتصار ريفي.. وهزيمة «الحلفاء»

الأولوية السعودية لترميم البيت السني

بين «احتواء» انتصار ريفي.. وهزيمة «الحلفاء»

عندما اقام السفير السعودي علي عواض العسيري عشاءه الشهير في دارته في اليرزة، استبعد عنه اشرف ريفي ولم يُدعَ اليه، وقيل يومها ان عدم دعوته كانت استجابة لرغبة سعد الحريري. وقيل يومها ايضا ان ريفي، وكرد فعل فوري على استبعاده، سارع الى ترويج ما مفاده انه في يوم العشاء كانت لديه دعوتان الى مأدبتي عشاء، وحتى ولو وجهت له الدعوة الى عشاء اليرزة، سيعتذر لارتباطه بموعد مسبق.

ولكن بالامس، وبعد صدور نتائج الانتخابات البلدية في طرابلس، انقلبت الصورة، كان الوزير المُبعد عن العشاء، الحاضر الوحيد في ذهن عسيري فكان اول المتصلين ليهنئ ريفي بـ «انتصاره الكبير»، وهو ما لم يفعله السفير السعودي مع سعد الحريري نفسه بعد «انتصاره» في انتخابات بيروت وصيدا، او مع اي مع الحلفاء الآخرين للمملكة!

بديهي القول ان تهنئة العسيري لريفي، ليست عفوية، وكما ان إبعاد ريفي عن عشاء اليرزة لم يأت كمبادرة فردية من قبل السفير السعودي بل تلبية لارادة المملكة، كذلك الامر بالنسبة الى التهنئة التي لم تكن بدورها مبادرة فردية من قبل السفير السعودي.

ومن هنا لا بد ان تكون مفاعيلها ارباكية للتحالف العريض «المهزوم» امام ريفي في انتخابات طرابلس، وبالتالي تغرقه في بحر من التساؤلات حول أبعادها، وحول مغزى ودلالات ما بعد الاتصال الهاتفي به، في وقت استولدت هذه الخطوة السعودية تفسيرات وقراءات متعددة:

– هناك من قلّل من اهمية اتصال السفير السعودي بريفي، ووضعه في سياق عادي سقفه «اتصال لمجرد التهنئة فقط لا اكثر ولا اقل».

هناك من قارب التهنئة السعودية لريفي بالافتراض ان سعد الحريري الاكثر احباطا وتضررا من انتكاسة طرابلس، هو المصاب بما هو اكثر من «مغص سياسي» جراء هذه التهنئة غير المتوقعة، والتي لم يحظ بمثلها، خاصة وانه على يقين من ان

هزيمته في طرابلس، تنطوي على دلالات قاسية قد تفوق بسلبيتها وضررها التجربة القاسية التي مر بها لحظة اسقاط حكومته.

– هناك من قدّر ان ريفي قد يكون منتشيا بالتهنئة السعودية، بما تنطوي عليه من رمزية ودلالة ورسائل، بعدما هزم «جبهة سياسية عريضة» تمتلك قدرات سياسية ومالية هائلة. وريفي في هذه الحالة يملك حرية ان يعتقد ان اتصال السفير السعودي به يأتي لتكريس انتصاره وليؤكد احتضان المملكة له وليطوبه رقما صعبا غير ممكن تجاوزه في الشارع السني.

– هناك من يعتقد ان اتصال السفير السعودي، يعادل الاعتذار عن إبعاده عن عشاء اليرزة.

تلك القراءات والتفسيرات تتقاطع مع قراءة لمرجع سياسي، تنطلق من لفت الانتباه بداية الى ان السعودية هي اكثر المعنيين بما جرى في طرابلس، وان اللائحة البلدية الائتلافية الفضفاضة، هي لائحة حائزة على بركتها. وبناء على ذلك، يضيف المرجع المذكور، من حق الخبثاء ان يعتبروا ان هزيمة هذه اللائحة هي هزيمة ليس لاعضائها فقط، بل ايضا لمن رعاها وباركها، وايضا هي هزيمة لمحاولة «جمع الاضداد» التي تكرست في عشاء اليرزة. ربما تكون مفاجأة ريفي غير المتوقعة قد دفعت السفير السعودي الى المسارعة والاتصال به لهدف احتوائي.

يؤكد المرجع المذكور ان السعودية لا تريد للساحة السنية في لبنان ان تشهد التخبط والارتباك والتفكك، ومن هنا لم تترك لهذه النتيجة المدوية ان تحدث دون المسارعة الى تلقفها ومحاولة تصويب المسار، واحتوائها عبر اعادة ترسيم حدود ريفي ونطاق حركته بهدف كبح جماحه لكي لا تأخذه نشوة الفوز الى الذهاب بعيدا، وتجاوز الخطوط الحمر وارتكاب اخطاء لا تقبل بها المملكة.

ولأن المملكة، كما يرى المرجع السياسي، تعتبر نفسها معنية بمحاولة وضع «ظاهرة ريفي» حتى ولو اصبحت «حقيقة»، في المكان الذي تريده على قاعدة ان «ريفي ابننا ولا يمكن ان يخرج عن طوعنا».

قد يعتبر ريفي ان من حقه تسييل انتصاره سياسيا بما يفرضه امرا واقعا، لكن المرجع السياسي، ينصح بعدم التسرع في القول ان نتيجة ريفي قد تؤسس لاعادة تشكّل مشهد سياسي جديد، وتحديدا على الساحة السنية. قد يبدو ريفي تقدم في موقعه، الا ان المقياس البلدي يختلف تماما عن المقياس السياسي، والرهان على اي تبدل، هو ضرب من الغباء.

لذلك الاولوية السعودية حاليا هي اعادة لملمة الشارع السني، ومن الطبيعي ان تمهد لذلك بسلسلة لقاءات ومصالحات قريبة ترعاها سواء في بيروت او في الرياض ان اقتضى الامر. والاساس فيها اعادة الانسجام والتقارب والوئام بين الحريري وريفي.

ولكن السؤال الاساسي هل يمكن اعادة ترميم الثقة بين الحريري وريفي؟ وهل يقبل ريفي ان ينضبط مجددا تحت السقف الذي كان محددا له قبل انتصارة البلدي؟ وهل سيعتبر ريفي ان عودته الى تحت مظلة سعد الحريري تعني نسف الانتصار الذي حققه وكل ما بناه عليه؟