»كبَّرَ» أمين عام حزب الله حسن نصرالله «حجر» مهمّته في سوريا لإنقاذ نظام بشار الأسد، و»خَلَطَ» الأمور و»لَعْبَجَها» إمعاناً منه في تأكيد مواصلة حزبه ما يُنفذُّه في سوريا ورفع سقفه عالياً جداً، من «مواجهة التكفيريّين» و»إرهاب داعش»، إلى مرحلة شديدة التقدّم والخطورة مع إعلانه أنّ «هذه المعركة هي دفاع عن الإسلام»، وهذا آخر الخطوط الأماميّة التي يستطيع حزب الله الهروب إليها، بحيث لا يعود ممكناً بعدها التراجع عنها خطوة إلى الوراء، وهذا ما يريد تكريسه في ذهن جمهوره وشعب المقاومة المتململ من كثرة القتلى، ومن السؤال عن المقامات الشيعيّة في «درعا» و»حلب» و»دير العدس»!! لم يعد بإمكان حسن نصرالله أن يتوجّه إلى جمهوره بخطابٍ أقلّ من أنّه «يخوض حرب الدفاع عن الإسلام» وهذا ما قاله نصرالله بالحرف في خطابه الأخطر من بين كلّ خطاباته!!
هكذا وببساطة رفع نصرالله سقفاً تجاوز كلّ توقعاتنا، ومع هذا انشغل كثيرون بالأمس بالحديث عن قشور الخطاب تاركين «أخطر» نقاطه وأدهاها مع إعلانه «أنا أقول لكم اليوم بكل اعتزاز وبكل افتخار: نحن الذين نشكّل أو نعتبر أنفسنا جزءاً من هذه المعركة في وجه التيار التكفيري نعتبر أنفسنا أننا ندافع عن إسلام محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، لا ندافع عن الشيعة أو عن السنة أو عن هذه الطائفة أو تلك الطائفة. والكل يعرف أنه عندما تصبح المعركة هي معركة دفاع عن دين الله وعن مقدسات الله سبحانه وتعالى حينئذ يكون عطاؤنا بلا حدود وصبرنا بلا حدود وتحملنا بلا حدود، واستعدادنا للذهاب إلى النهاية بلا حدود، كما فعل إمامنا وسيدنا أبو عبدالله الحسين في كربلاء»؛ ونقطة على السطر!! لقد أصبح حزب الله «حامي حمى الإسلام والدفاع عن وجوده»، الإسلام الذي واجه عبر تاريخه مخاطر جمّة منذ حروب الردّة وصولاً إلى اجتياح التتار للعالم الإسلامي، الإسلام التاريخي الذي انتصر على الجميع وبقي سالماً معافىً وصالحاً لكلّ زمان ومكان.
آخر «تجارة دم» يخوضها حزب الله هي الدفاع عن الإسلام، وعن تشويه صورته نافياً فيها نصر الله في معرض حديثه عن «الفطرة الإنسانيّة» الكثير ممّا عرفه تاريخ كلّ الأديان بفعل أخطاء تابعيها، هل يوجد إنسان واحد اطّلع على تاريخ حضارات الأديان ولم يصطدم بحوادث الذبح وقطع الرأس والحرق والصّلب، ألم نشاهد وحشيّة اضطهاد المسيحيين والمسلمين وذبح اليهود للأنبياء، ألم يشهد تاريخ الحضارة المسيحيّة باسم الدين إحراق «جان دارك» وسواها، ألم يشهد تاريخ الحضارة الإسلاميّة صلب الحلاج، وقتل الحسين وقطع رأسه، ألم يشهد تاريخ البشرية افتتاحها بداية وجودها بقتل هابيل لقابيل، ألم يشهد تاريخ الإسلام فرقاً كالخوارج الذين يماثلهم اليوم حزب الله والإخوان المسلمون، ألم نشهد فرقاً كـ»الحشاشين» وهي أول تنظيم إرهابي للاغتيال السياسي، عند الشيعة الإسماعيليّة وهي من أشهر المجموعات في تاريخ الشيعة، وحزب الله نسخة طبق الأصل عنها، ولو شئنا لقدّمنا للقارئ مبحثاً في مجلّدات عن هذه الفرق وإرهابها!!
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل إرهاب «داعش» هو بالحجم الذي قدّمه حسن نصر الله في خطابه؟! والإجابة بالتأكيد: لا.. ولكن؛ لقد أسقط في يدِ نصرالله وإيران، واستغلال «داعش» وإرهابها إعلاميّاً سيقدّم لحزب الله والحرس الثوري الإيراني فرصة لتلميع صورتهما المتلبسة بالإرهاب والتفجيرات والاغتيال وزعزعة أمن الدول… هذا أولاً؛ أما ثانياً: لن ينطلي «بعبع داعش» علينا «يا سيّد حسن»، «بدّك تسمحلنا فيها»، هذا التنظيم الإرهابي زرعه في العراق نظام بشّار الأسد، وتغاضت عنه إيران، وظلّ قائماً منذ اعتقلت قوات التحالف أبو بكر البغدادي بتاريخ 2004/01/04 وأطلقت سراحه في شهر كانون الأول عام 2006، و»همروجة» الخطابات لا تنفع في خلط التاريخ المعاصر بعضه ببعض، وإذا كان تنظيم القاعدة قد انتهى وتمزّق وتفرّق، فـ»داعش» فلول القاعدة التي حظيت مطولاً برعاية إيران، وستهزم لأنها شرذمة قليلة!!
خطاب حسن نصرالله مساء الاثنين الماضي شكّل حملة دعائيّة لـ»داعش» أهمّ وأكبر وأخطر من كل ڤيديوهات الذبح والحرق التي يجهد تنظيمها في نشرها لبثّ الرّعب في قلوب الناس، ومجدداً نقول: «حزب الله و»داعش» وجهان لعملة واحدة»، الفرق الوحيد بينهما أنّ «داعش» ارتكبت وترتكب كلّ جرائمها في العلن، فيما حزب الله يرتكب كلّ جرائمه وإرهابه «في السرّ»!!