بدأت الأزمات في الضاحية الجنوبية تكبر وتتفاعل، في ظل عجز القوى الحزبيّة المُسيطرة عن ضبط الأوضاع ومنعها من التفاقم يوماً بعد يوم، وهي القوى نفسها التي ظلّت لفترة تزيد عن الثلاثين عاماً تمنع ظهور الارتكابات والمُخالفات للعلن خشية أن تنقلب الأمور ضدّها، تماماً كما هو حاصل اليوم بحيث أصبحت الجهة المُسيطرة تُمثل العبء الأكبر على عدد غير قليل من أهالي هذه المنطقة.
لم يكن الاعتداء الذي تعرّضت له عائلة شمص على يد عناصر من «حزب الله» الأوّل من نوعه ولن يكون بالطبع الاخير، فهناك حوادث مُماثلة وربما تفوقها «بشاعة» تُرتكب يوميّاً على بقعة استبشر سُكّانها خيراً يوم دخلت أّول آلية للقوى الأمنيّة الشرعيّة أرضها، لكن يبدو أن قدر البيئة التي حمت الحزب ومقاومته في أصعب الظروف وتحمّلت القتل والدمار وتبعات «انتصاراته» يحملها اليوم على تحمّل ارتكابات عناصره المُتفلّتة بحقّها والسكوت عن أوجاعها التي يتسبّب بها شُبّان تحميهم «مُقاومة» عجزت عن الحفاظ على ماضيها وشرعيّتها ومستقبلها.
لا تكاد تنام الضاحية الجنوبية على أخبار الموت المُتلاحقة التي تصل أهلها من خارج الحدود، حتّى تستفيق على واقع مرير لا يقل فظاعة ولا مرارة عن الأولى. حرب واشتباكات مُسلّحة في شوارع وأحياء الضاحية الجنوبيّة بين عناصر تنتمي إلى «حزب الله» وشُبّان من آل جعفر أرخت بظلالها على الواقع الصعب الذي تعيشه هذه البقعة الجغرافيّة المُهرّبة من سلطة الدولة رغم وجود هذه الأخيرة في قلب الحدث، وهو ما جعل الأهالي يتساءلون عن جدوى هذا الوجود طالما أنّه لم يتمكّن حتى الساعة من خلق مناخ جديد مُغاير لأهواء «حزب الله» الذي يتعمّد العودة بالمنطقة إلى منطقه الخاص عند كل شعور جديد يتولّد لدى الأهالي بالعبور نحو الدولة.
يبرع «حزب الله» عندما يضع الحوادث والارتكابات التي تحصل ضمن مناطق نفوذه في خانة الأحداث الفرديّة، وهذا ما تعوّدت عليه الضاحية الجنوبيّة مؤخّراً، لكن سرعان ما تتوضّح مُلابسات الحزب وتنقشع الصورة على حقيقتها على غرار القذائف الصاروخيّة من نوع (الأر بي جي) التي أطلقها عناصر من الحزب منذ يومين في محلّة برج البراجنة أثناء تشييعهم عنصراً سقط في القلمون، الأمر الذي ترك أكثر من علامة استفهام لدى السكّان الذين هالهم المشهد وأرعب أطفالهم وترك لديهم انطباعاً حول الظاهرة الجديدة التي بدأ يستخدمها مؤخّراً «حزب الله» وكأنّها تُعبير عن سياسة جديدة الهدف منها إرعاب الأهالي وإخضاعهم لسلطته ونفوذه بالكامل بعد الاعتراضات الكثيرة التي كانوا قد واجهوه بها بدءاً من إغلاقه للطرق والمنافذ، مروراً بحمايته «اللصوص» ووصولاً إلى إغراقهم في «لعبة» الموت في سوريا.
جزء كبير من سُكّان الضاحية لا يُريد الاستسلام للواقع القديم المُتجدّد والشقيقتان أمال ومُنى شمص ليستا سوى نموذج واضح وصريح عن هذا الواقع الرافض لممارسات «حزب الله» والجماعات التي تستظل تحت خيمته. فعندما يقف صاحب محلّ تجاري على رصيف محله في عمق الضاحية ويتوجّه بالشتائم إلى الحزب ومسؤوليه بعدما أقدم عدد من الشُبّان على حرق محلّه لأنه رفض أن يدفع لهم المال على سبيل «خوّة» يفرضها هؤلاء على عدد كبير من التجّار، تكون هناك أزمة فعليّة في بيئة لم تعد تجد أماناً حتّى في ظل وجود الدولة بينها.
البعض في الضاحية اليوم بدأ يُشبّه ما يحصل في داخلها من حركات اعتراضيّة، والمُرافقة للعديد من حالات التململ الواضحة، بما حصل في مُحافظة «درعا» السوريّة مع بداية الثورة، حيث بدأت يومها بثورة سلميّة أبطالها أطفال لم يكونوا يملكون سوى صرخات بريئة تُطالب بتصنيفهم على أنّهم فئة من البشر يستحقّون حياة أفضل. فهل يكون ترهيب «حزب الله» لأبناء جمهوره وأبناء بيئته مُقدّمة لما هو أسوأ من سَوْق إمرأتين محجبتين إلى زنازينه لمجرّد أنهما تجرأتا ورفعتا الصوت عالياً في وجه الظلم والاستبداد؟.