يستمر الخلاف الجذري بين الأفرقاء حول قانون الانتخاب الجديد، ويبقى البازار مفتوحاً أمام الخليط الهجين والمستوحى من مصالح كل فريق لما يخدمه، في ظل غياب رؤية جدية وموحدة لمفهوم القانون الحديث الذي يخدم فكرة بناء الدولة دون سواها، إلا ان مداهمة الوقت مع اقتراب المهل الدستورية يضع الاستحقاق امام خيارين أحلاهما مرّ: إما الزج بقانون مفصّل على قياس الزعامات والأحزاب، كما تحاول الكتل الكبرى ان تروّج له، في محاولة رخيصة لإلغاء المستقلين والكتل والأحزاب الأصغر، تحت حجة القبول به أو التوجه الى الفراغ.
أما الحل الثاني الآخر، فهو التمديد لمجلس النواب، تجنباً للفراغ، ولو كان رئيس الجمهورية قد عبّر صراحة عن تفضيله للفراغ بدلاً من التمديد! إلا أن لا ميثاقية ولا دستورية لهكذا حلول. والأجدى من التلويح بالويل والثبور، هو البحث الجدي عن مخارج، مع مراعاة هواجس الشركاء في الوطن، كخطوة أولى ضمن ورشة حقيقية للنظام التشريعي في البلد وتطوير لقوانين باتت اكثر من بالية، بدلاً من الزج بالوطن الصغير في مراهنات خاسرة على كل الأحوال.
مَن عاصر العماد عون في مسيرته الطويلة يعرف أن الفراغ لا يُشكّل رادعاً له، ولا عائقاً للوصول لأهدافه، إلا أن الترويج للفراغ من موقع المعارضة شيء، والتلويح به من موقع الرئاسة شيء آخر تماماً، ويضع العهد برمته تحت مجهر المساءلة حول صوابية الرؤية والقدرة على الإمساك بمفاصل الحياة السياسية من دون نسفها بشكل جذري!
وأخيراً، الانتخابات قادمة لا محالة، ولكن ضمن أي قانون وحسب أية مقاسات يبقى السؤال الأكبر. وهل ينجح الثنائي الماروني، التيار الحر – القوات، في تفصيل قانون يضمن لهما ثلث مقاعد البرلمان فتجعل الوصول إلى كرسي الرئاسة يمرّ حتماً من تحالفهم؟ وماذا عن تيار المستقبل، هل يتحمّل رصيده الشعبي المزيد من التنازلات «تسهيلاً للأمور»؟ أما الزعيم الدرزي، فهو محافظ على موقف واضح وصارم رافضاً للمختلط وممكن ان يشكل نواة تحالف إذا ما ثبت مع المستقبل والمستقلين وحتى الثنائي الشيعي ليقف بوجه الهجمة المارونية.
إن الغاية الأهم من كل هذه الطروحات هي التوصّل لقانون موحد ينصف كل الطوائف والمناطق ويصلح أن يكون نافذاً في كل الأزمنة، وليس مفصلاً على مقاسات معينة يتغيّر مع تبدّل أحوالها وظروفها. لقد انتظر اللبنانيون طويلاً ورشة تطوير قوانينهم، فهل يكون قانون الانتخابات أول الغيث أم خاتمة الأحزان؟!