قد لا يكون موضوع حجب أو عرض فيلم أجنبي للمخرج العالمي ستيفن سبيلبرغ ضمن الاولويات لدى الحكومة والشعب اللبناني، خصوصاً في ظل الازمات والمشاكل الجمة التي تعاني منها البلاد بدءاً بوجود ملايين اللاجئين من الاخوة السوريين والفلسطينيين، وصولاً الى نسبة البطالة المرتفعة وأزمة النفايات والكهرباء والبنية التحتية المهترئة وغيرها من المشاكل اليومية.
ولكن وبالتوازي مع كل هذه الازمات، لم يتوان الشعب اللبناني عن الانتفاض لذاكرته الوطنية وعنفوانه وكرامته كلما دعت الحاجة. وتذكير العالم ان في لبنان شعباً حياً يرفض الخضوع والنسيان والتنكر لدماء شهدائه الذين سقطوا في وجه الاحتلال الاسرائيلي طوال اغتصابه للارض وصولاً الى عدوان تموز في صيف 2006.
سنبدأ أولاً في قضية الفيلم السينمائي للمخرج سبيلبرغ. ان القضية في قاموسنا الوطني والقومي مبدئية بحتة، اذ لا يمكن ان ندعم من قدم مالاً مباشراً للاسرائيلي في حرب تموز لقتل اهلنا في الجنوب وفي جميع المناطق اللبنانية. غير أننا نرى ان ليس هنالك متابعة أو تطبيق مستمر لمبدأ «المقاطعة» من قبل السلطة اللبنانية. ففي الماضي عرضت عدة افلام لسبيلبرغ في لبنان، منها «بيردج اوف سبياز» «وور هورس» وغيرهما من الافلام .. ولم تقم السلطة آنذاك بوقف عرض اي منها او حظرها في صالات السينما اللبنانية.
قد يكون الامر محيراً على اللبنانيين، اذ ان سبيلبرغ انتج عدة افلام منذ 2006 الى يومنا هذا ولم تتطرق لها السلطة او حزب الله او الجمعيات المدنية المعنية بمقاطعة اسرائيل والداعمون لها. بالمبدأ، الموضوع واضح يجب مقاطعة سبيلبرغ لدعمه اسرائيل بالمال خلال حربها على لبنان. اما بالواقع، فالتخبط الذي تتعاطى به الدولة مع هذا الموضوع يعطي «ميوعة» للقضية. فلماذا السماح اصلاً للفيلم بأن يروّج ثم يتم منعه؟ ولماذا السماح بعرض الافلام السابقة التي اخرجها سبيلبرغ في لبنان والان منع أفلامه؟ يجب على السلطات المعنية ان تكون جادة في موضوع مقاطعة اسرائيل وأن تطبق القانون بصورة مستمرة ودون تقطع واستنسابية. اقله تكون الامور واضحة للشعب ولقطاع الفن وللدولة واجهزتها.
أما في ما خص قضية المخرج اللبناني زياد الدويري الذي ظهر مؤخراً في شاشات التلفزة يحاضر اللبنانيين بالديمقراطية وتقبل الآخر والانفتاح عليه. فنسأل الدويري، بأي حق يحاضر في اللبنانيين، هو الذي خالف القانون اللبناني وزار الاراضي المحتلة واجتمع بالسلطات الاسرائيلية للحصول على اذن التصوير وقام بدفع الرسوم والضرائب للدولة الاسرائيلية ووفر فرص عمل لاسرائيليين، وبالنهاية عادت هذه الرسوم والضرائب للدولة الاسرائيلية التي تقتل وتشرّد كل يوم عبر جيشها الشعب الفلسطيني والتي قتلت شعبنا في عدوان 2006 واجتياح الـ 1982 و عناقيد الغضب في 1996 وغيرها من الاعتداءات والحروب على لبنان.
أين هو ضمير هذا الدويري عندما صافح الاسرائيليين ودفع لهم الاموال؟ الم تقشعر نفسك يا رجل؟ ألم تشعر بالخجل عندما صافحت الجندي الاسرائيلي الذي ختم جواز سفرك لدى دخولك الاراضي المحتلة؟ ألم تشعر بالخجل انك بطريقة غير مباشرة دفعت رواتب الجنود الاسرائيليين الذين يعذبون الان عهد التميمي وآلاف السجناء الفلسطينيين؟ أين كرامتك؟ اين شرفك الوطني واحساسك الانساني بقضية شعب مقهور وانت تصافح وتشغل جلاديه؟! اخجل يا رجل انت ومن سمح لك بالامس بمحاضرة اللبنانيين عبر شاشاته!
كما يطل علينا آخر ليقول ان بحظر السلطات لبعض الافلام المرتبطة مباشرة او غير مباشرة بمبدأ مقاطعة اسرائيل، ان لبنان يخسر الحرب الثقافية مع العدو الاسرائيلي. يا لك من نابغة. هل مقاطعة ومعاقبة العدو اقتصادياً خسارة ثقافية؟ هل كانت الولايات المتحدة تخسر حربها الباردة والعقائدية مع الاتحاد السوفياتي عندما كانت تمنع بضائعه وتحظر عمل الحزب الشيوعي على اراضيها وتمنع افلام البروبغندا السوفياتية من ان تعرض في دورها السينمائية؟!. من اين اتيتنا يا نابغة بهذه الفكرة؟ لماذا هذا الانبطاح امام الاجنبي؟ لماذا هذا الخضوع؟
اصبح من المؤكد ان الحرب المقبلة هي حرب التطبيع الثقافية مع العدو الاسرائيلي ومن الواضح ان بعض المؤسسات الاعلامية عن سابق تصميم او عن عدم دراية هي داخلة في مساعي التطبيع وعلى الدولة ان ترسم سياسة واضحة تجاه قضية التطبيع مع الكيان الاسرائيلي كيلا تتفلت الامور ويصبح التسهيل والترويج للتنسيق مع اسرائيل «ثقافياً وفنياً» امراً طبيعياً ومقبولاً في المجتمع اللبناني. نحن هنا ندعو الدولة بحكومتها ومجلسها النيابي الى التحرك سريعاً ووضع الامور في نصابها بشأن مقاطعة اسرائيل ومنع الترويج الخبيث للتطبيع معها. وان المقاومة اللبنانية تتحمل مسؤولية كبيرة بدفع الامور نحو الوضوح الكامل وتبني الحكومة لاتجاه واضح لا لبس فيه في هذه القضية.