Site icon IMLebanon

بين مساعي تفعيل الحكومة وإنقاذ طاولة الحوار أسئلة لا تخفي هواجس ما بعد الفشل المتوقَّع

تولى النائب وليد جنبلاط في الأيام الأخيرة تصويب بعض الاتجاهات السياسية التي تركت انطباعات باحتمال وجود مؤشرات لتحرك ما على صعيد الموضوع الرئاسي. ولا يخفى ان البعض بنى خصوصاً على البيان الذي صدر عن لقاء القمة الذي عقد بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الاميركي باراك اوباما باعتبار انه تم ذكر موضوع لبنان في البيان من باب الدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية والحرص على الاستقرار، فضلاً عن تفسير بعض المؤشرات الاقليمية الأخرى، وكذلك البناء على دعوة الرئيس نبيه بري الى الحوار، في سعيه الى ملاقاة اي تحرك خارجي.

والواقع أن القراءة الخاطئة لبعض التطورات السياسية يمكن ان تدفع في اتجاهات معينة، فيما لا يبدو ممكنا حصول انتخابات رئاسية راهناً تأتي برئيس توافقي، ولذا يفترض الا يبعد الافرقاء السياسيون عن محاولة تفعيل الحياة السياسية، أقله من خلال اعادة تنشيط الحكومة، في ظل التوهم باحتمال حصول تطورات قريبة تنهي مأزق الاستحقاق الرئاسي. وتفيد معلومات ان محاولة تصويب المواقف طالت ايضا العماد ميشال عون الذي كان فهم انه يمكن ان يقاطع الجلسة الثالثة للحوار ما لم يتبلغ نهاية سعيدة لترقية صهره العميد شامل روكز الى رتبة لواء، في حين ان مقاطعته الحوار والتسبب بنسفه كانا سيوجهان ضربة سياسية لحلفائه في الدرجة الاولى، اي الرئيس نبيه بري باعتباره عراب الدعوة الى طاولة الحوار، و”حزب الله” الذي يتأذى ايضا بتأذي حليفه الشيعي، في الوقت الذي يرغب فيه هو ايضا في طاولة الحوار لاعتبارات واسباب عدة لا تضطره الى مواجهة تحديات مختلفة.

وبالنسبة الى مصادر سياسية معنية، يكفي مقدار الجهود التي تحاول ان تجد مخرجاً لأزمة ترقية بعض الضباط بهدف حلحلة العمل الحكومي واتاحة المجال أمام ادارة شؤون الناس بالحد الادنى، من أجل أن تبرز كم هو راجح بقاء الحكومة الى أجل غير مسمى، في غياب اي معطيات ايجابية عن الرئاسة الاولى. كذلك تكفي بالمقدار نفسه المواقف التي لا يزال يطلقها الحزب في هذا الاطار، من دون اظهار أي استعداد للبحث في رئيس توافقي، للدلالة على ان المجال الوحيد المتاح راهنا هو تفعيل عمل الحكومة، جنبا الى جنب مع الحوار الذي تم استحداثه. هل يكفي ذلك لاستيعاب الوضع المجمد؟ وماذا بعد الفشل المتوقع في الموضوع الرئاسي؟

جلسات متلاحقة حددت لمتابعة البحث في موضوع الرئاسة لا يتوقع احد من المحاورين ان تسفر عن نتيجة. والدائرة المقفلة تبدو ابعد من ذلك وفق مصادر سياسية، باعتبار ان الافرقاء السياسيين على طاولة الحوار فشلوا في تقديم أي شيء حتى الآن للحركة الشبابية والمدنية في الشارع مهما كانت الاتهامات التي تكال لهذه الحركة او للمطبات التي وقعت فيها. فالجميع، كل على طريقته، أقر بوجود تراكمات لازمات اجتماعية فشلت السلطة في معالجتها، لكن الافرقاء السياسيين لم يخترقوا المجموعات الشبابية للحوار معها او محاولة ملاقاتها في مطالبها بعض الشيء، باعتبار انها تعبر عن معاناة الناس ولو تم تسييسها. فالبعض من هؤلاء الافرقاء كان متفرجاً وكأن ما يجري لا يعنيه إلا من باب خشية استهدافه، في ضوء ربط التحرك الميداني في لبنان بتطورات في الخارج تمتد من العراق الى تحول “حماس” في غزة. وقد تم التعبير عن هذه الخشية بأساليب عدة.

وتتصل الدائرة المقفلة بالتخوف من الاقتراحات التي يحاول بعض الافرقاء فرضها، وفي الخلفية الرهان كما النوم على حرير تطورات اقليمية يعتقد انها تصب في مصلحة فريق او محور معين. فحين تذهب الامور من المخاوف من فراغ دستوري يدفع بالبلد الى مؤتمر تأسيسي، الى اقتراحات تفترض نسفاً لدستور الطائف وتحتم تعديلا له على غرار اجراء انتخابات رئاسية من الشعب وما شابه، تكبر المخاوف من ان يكون هذا السقف المرتفع عنواناً يقود الى تسوية تلحظ تغييرات كبيرة، خصوصاً متى استمر الوضع مقفلا على اي حل، بدءاً بانتخاب رئيس جديد للجمهورية. ولذلك فإن البنود الاخرى من الحوار لا تريح بعض الافرقاء اذا تم تجاوز بند رئاسة الجمهورية من دون تحقيق تقدم يذكر.

في موازاة ذلك، ثمة مخارج يبدو ان مصادر سياسية تعمل عليها، الى جانب متابعة العمل على محاولة طمأنة العماد عون بتأمين استمرارية صهره في الجيش، وتالياً تأمين اعادة احياء العمل الحكومي بالحد المعقول الذي يخرج المسؤولين من ارباكات المشكلات الحياتية، وامكان معاودة مجلس النواب اجتماعاته وفقاً للدورة العادية التي تبدأ في منتصف تشرين الاول، بما يمكن ان يفتح الباب أمام معاودة النقاش عبر لجان معنية بإعداد قانون للانتخاب يكون جاهزا من اجل اجراء الانتخابات اذا امكن، فيحصل ذلك في المجلس وليس على طاولة الحوار، مع ما يمكن ان يدفع في اتجاه خطوات اخرى مرتبطة به على غرار امكان التوافق على طبيعة الحكومة المقبلة وما شابه. وربما يمكن عبر ذلك التحضير جانبياً لأي تسوية قد تفرضها التطورات، ولن تقتصر في اي حال على انجاز الانتخابات الرئاسية وحدها، بل تشمل سلة متكاملة تكون جاهزة عبر توافق اللبنانيين وليس عبر حلول مرتجلة او سريعة. وفي هذا الاطار، يرتبط الوضع مرة اخرى بعامل الثقة المفقود بين الأفرقاء السياسيين والصراع المحتدم في المنطقة.