Site icon IMLebanon

بين إليسا وأينشتاين!

غريب كيف أنّنا لا نكتفي بوضع «موسيو» أو «مدام» قبل إسم الشخص الذي نخاطبه، بل نَشطح في التعبير لنقول حضرة الأستاذ فلان المحترم وعقيلته المصون، سعياً منّا إلى إيجاد أفضل تغليف يعبّر عن هاجس التملّق الذي يَسكننا… لأنّ هذا الشخص هو في الغالب ليس محترماً ولا حرَمه مصونة أصلاً.

وهذا أضعف الإيمان، فحتى إليسا التي أستأجرُ منها منزلي الصغير في الجمّيزة وزوجها عبدو يَرفضان التكلّم معي أمام باب منزلهما أو على الهاتف إذا لم أخاطبهما بـ«مدام» إليسا و«أستاذ» عبدو.

وصراحةً لا أعتب عليهما لأنّهما ورثا الطبع التعجرفي المتجذّر في فكر كلّ شخص شرق أوسطي يَحصل على أكثر من 427 «لايك» على الـ«فيسبوك». فحتى الميكانيكي والفرّان والحلونجي تأتي أسماؤهم مقرونةً بـ«معلّم»، وصاحب صهريج الماء وموتور الاشتراك وشوفير البوسطة بـ«أستاذ»، وكأنّ الجميع يخجل بإسمه.

أنا أراهن على أنّ نصف البشرية لا تعرف الإسم الأوّل للعالِم والفيزيائي والفيلسوف الدكتور والبروفيسور ألبرت أينشتاين، وهي تعرفه وتتذكّره وتتحدّث عنه بـ«أينشتاين» فقط، بلا فخامة ومعالي وسعادة ونيافة وسماحة وأستاذ، إسمُه فقط كافٍ ليذكّرنا بتاريخه الذي غيّر وجه العلوم في القرن العشرين وإلى أبد الآبدين.

أمّا عندنا، فكلّ شخص يحقّق إنجازاً ولو حتى صغيراً، مثل جمعِ 12000 دولار في البنك أو إطلاق أغنية جديدة أو الظهور في الكادر خلف مراسِلة نشرة الأخبار، تنبتُ في نفسيته وتلقائياً نزعة ديكتاتورية استقاها من الأنظمة التي حَكمته منذ ما قبل العثمانيين وحتى يومنا هذا. ويصبح كلّ فردٍ من هؤلاء ديكتاتوراً اجتماعياً وشعبياً بمقدار مساحة سلطته، فينفصل عن عامة الشعب ليركنَ سيارته أمام باب المقهى ويعيش في برج صغير يُرغمنا على النظر إلى فوق لمخاطبته، ويُرغمك على التعامل معه واحترامه بصفته الشخصَ الذي وجَد علاجاً نهائياً لمرض السرطان أو اكتشفَ حيلة التفوّق على الانتحاريين ولديه اجتماع غداً صباحاً مع الـ«أف بي أي»، وكلّها يومان ويستحصل على لقب «بيك» أو «شيخ» قبل إسمه ويُصاب كغيره من المشاهير بحالِ إمساك سلوكي وتواصلي، ويبدأ اختبار الصعوبة في الابتسام وإلقاء التحيّة، سرعان ما تتطوّر إلى انفصال مزمِن عن الواقع والعيش خلف النظّارات السود بدءاً من الثامنة مساء وحتى ساعات الفجر الأولى.

هل سمعتم في حياتكم الإعلامَ الغربي يَذكر في نشرة أخبار أو برنامج ترفيهي سلطانَ الطرب لوتشيانو بافاروتي، والموسيقار صاحب الأنامل الذهبية بيتهوفن، وكوكب الغرب اريثا فرانكلين، وفارس الغناء الأميركي جوني كاش، وشمس الأغنية اليونانية ماريا كالاس، ووحش الشاشة أنطوني هوبكينز، والسوبر ستار سيرج غانسبورغ، ونجمة الشاشة ميريل ستريب أو قاهر النساء وفاتنهنّ توم كروز…؟

بالطبع لا، لأنّ هؤلاء عملوا طوالَ مسيرتهم على إسمهم بالدرجة الاولى وجعلِه كافياً لبيعِ كلّ ما يمكن للمطبعة إنتاجُه من بطاقات وملء مدرّج ملعب كرة قدم عن بِكرة كراسيه، ونحن مشغولون بالألقاب والتهليل والتفخيم حتى نمارسَ أكبر مقدار من الضغط على الشعب المسكين ليمزجَ إعجابه ببعض الخوف والرهبة، لأنّ النجومية العربية لا بدّ من أن تكون ديكتاتورية، وإلّا فلا يمكنها أن تندمج في الصورة العامة.

(وعلى فكرة، لم نكن نقصد الفنّانة إليسا في العنوان، وإلّا لكُنّا وضعنا «ملكة الإحساس»).