بعد سنتين واربعة اشهر على التمديد الثاني للمجلس النيابي، تستعيد الكتل النيابية اللعبة نفسها. ما توخته حينذاك باهدار المهل وعدم التفاهم على قانون جديد للانتخاب حشر الاستحقاق بين احد خيارين: تمديد الولاية او الفراغ. هو الحشر نفسه الآن
تحت هول الوقوع في فراغ السلطة الاشتراعية، اقر البرلمان في 11 تشرين الثاني 2014 تمديد الولاية، وقطع تعهداً بتفعيل دوره والعمل على وضع قانون جديد للانتخاب. بالحجة نفسها لسنة ونصف سنة خلت قبل ذاك، اقر تمديداً اول في 31 ايار 2013 بتعهّد مشابه للذي تلاه، فإذا برلمان 2009 يستمر فوق الولاية القانونية الاولى انتخاباً، ولاية ثانية تمديداً. على نحو مطابق لم تعد الاحاديث الدائرة في الصالونات السياسية تتناول القانون الجديد للانتخاب وتوقيته، بل سبل إمرار تمديد ثالث للمجلس نفسه بذريعة ان الخطر الوحيد الماثل امامه بات الآن الفراغ.
وما دامت مفاضلة 2013 و2014 انتهت الى نتيجة واحدة، بات الكلام عن موعد التمديد الثالث هو الحدث، خصوصاً في ظل انطباعات سلبية عن مسار التفاوض الجاري على القانون الجديد للانتخاب من جراء الفيتوات المتبادلة: لا التصويت النسبي المطلق مقبول، ولا التصويت الاكثري المطلق مقبول، ولا خليط التصويتين النسبي والاكثري في صيغة واحدة مقبول. واكثر من اي وقت مضى، تصاعدت نبرة الاعتراض على نظام التصويت واصبح الآن يمثّل ــ لا تقسيم الدوائر ــ المشكلة الاصل في القانون الجديد. بل امست البلاد، بازاء هذا الخلاف، امام ازمة مهل مختلفة تماماً هذه المرة.
هي سبل استعجال ايجاد المخرج الملائم المقنع لتمديد الولاية ــ وإن في معزل عن وضع قانون جديد للانتخاب ــ قبل اغلاق المهل القانونية والدستورية التي تجعل من المتعذر على مجلس النواب اذذاك الانعقاد للتصويت على التمديد. بعدما اهدرت المهلة القانونية المنصوص عليها في قانون الانتخاب لتوجيه الدعوة الى الهيئة الناخبة في الاشهر الثلاثة التي تسبق انتهاء ولاية المجلس، وعلى ابواب ولوج مهلة الشهرين السابقين لنهاية الولاية لاجراء الانتخابات المنصوص عليها في المادة 42 من الدستور ــ وهي مهلة دستورية ملزمة ــ تتوجه انظار الكتل الى انجاز التمديد قبل الوصول الى النصف الثاني من نيسان.
على نحو استخدامه في شباط الفائت صلاحيته الدستورية بعدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الى انتخابات نيابية تجري وفق قانون 2008 النافذ، لا يجد رئيس الجمهورية ميشال عون غضاضة في التلويح باستخدام صلاحية دستورية ثانية لا تقل فاعلية عن تلك، تقيم في المادة 59 تتيح له تأجيل انعقاد المجلس الى امد لا يتجاوز شهراً. في الصلاحية الاولى وضع رئيس الجمهورية حاجزاً عالياً حالَ حتى الآن ـ ولا يزال ـ دون اجراء انتخابات نيابية وفق القانون النافذ. في الصلاحية الثانية يضع حاجزاً عالياً ثانياً يمنع مجلس النواب من تمديد ولايته للمرة الثالثة بلا مسوغ قانوني او ظروف استثنائية قاهرة تحول دون اجراء انتخابات نيابية عامة. الحري ان المادة 42 لا تكتفي بتحديد مهلة 60 يوماً لاجراء الانتخابات النيابية، بل تفرض حصولها تفادياً لفراغ حتمي.
تكمن اهمية المادة 59 ـ ويستخدمها رئيس للجمهورية للمرة الاولى في ظل دستور الطائف رغم انها تعود الى عام 1927 ولم يطرأ عليها تعديل ـ في انها تعطب تماماً مهل انعقاد المجلس لاقرار التمديد قبل انتهاء العقد العادي الاول في 31 ايار المقبل، بأن يطلب الرئيس في الشهر الذي يسبق نهاية العقد عدم اجتماع المجلس طيلة شهر كاف لاطاحة ما تبقى من ايام العقد العادي الاول، وليس للمجلس عندئذ ان يرفض طلبه، فيعلق تالياً التئامه. بالتزامن، للسبب نفسه، يمتنع رئيس الجمهورية عن اصدار مرسوم فتح عقد استثنائي في المدة المتبقية اذذاك من ولاية المجلس بعد 31 ايار، وهي 19 يوماً تنتهي منتصف ليل ذلك اليوم، تنقضي معها ولاية برلمان 2009 ـ بسنواته الثماني ـ ما لم يكن خلفه برلمان جديد. الا اذا عزمت الغالبية المطلقة في المجلس على رفع عريضة تطلب من الرئيس اصدار مرسوم العقد الاستثنائي. بمقدار الالزام الذي تفرضه العريضة عليه لاصدار المرسوم عملاً بالمادة 33، قد لا يكون من السهولة بمكان جمع تواقيع النصف+1 من النواب تحت وطأة انقسام، من شأنه جعل البرلمان هذه المرة وجهاً لوجه مع رئيس الجمهورية.
فحوى الاجراءين الدستوريين ان عون يستخدم صلاحيات ناطها به الدستور، ووضع الكتل النيابية امام مسؤولية عدم اخلالها بواجبات وضع قانون جديد للانتخاب ما دام زعماؤها جميعاً بلا استثناء ادلوا بدلوهم في رفض القانون النافذ.
بالتأكيد ثمة خطر داهم يقترب من النظام الدستوري برمته، وليس من مجلس النواب فحسب، بدخول البلاد في فراغ شامل في السلطة الاشتراعية ليست هناك في المقابل اجراءات وقائية موقتة او انتقالية تحول دونه. وخلافاً للمادة 62 من الدستور التي تنقل صلاحيات الرئيس الى مجلس الوزراء ما ان يشغر منصبه، وخلافاً ايضاً للمادة 64 اذ تتحدث عن تصريف الاعمال في المعنى الضيق بعد استقالة الحكومة، فإن انقضاء ولاية البرلمان تجعله في حال العدم كلياً، مع انه السلطة الدستورية الوحيدة المتأهبة عند شغور الرئاسة فيدعى بحسب المادتين 73 و74 الى الانعقاد لانتخاب الخلف، وعند استقالة الحكومة بحسب المادة 69 الى البقاء في انعقاد استثنائي الى حين تأليف اخرى. اما هو، فلا احد يتلقفه.
سيناريو كهذا هو الكابوس مع الوصول الى الفراغ. بيد ان الكابوس المقابل ــ لئلا يصبح مناماً عادياً مألوفاً وهانئاً ــ تمديد الولاية ووضع البلاد مرة تلو اخرى امام المفاضلة بينه والفراغ.
لكن ما يصح كذلك عبارة مرجع رفيع: لا يخلع المسمار الا المسمار.