IMLebanon

بين فتوش و”فيتش”

 

 

لم يكن أي لبناني بحاجة الى دراسات معمقة في الاقتصاد ليتوقع التصنيف الائتماني لوكالة “فيتش” الذي رسَّب لبنان الى رتبة “CCC”. وكل عمليات التجميل والترقيع والتحايل على الواقع بالمصطلحات التخديرية لم تعد تنفع.

 

فالبلد منهوب بالتكافل والتضامن، وموسميات كشف الفساد حَبَل كاذب سرعان ما يتبين بطلانه. وفي غياب قانون “من أين لك هذا؟” لجميع الذين تولوا مسؤولية ما في الشأن العام او داروا في فلك هذا القطاع، تتوافر نماذج العز الذي يناله السارقون الوجهاء والمجرمون الوجهاء، ويتكاثر الفاسدون وناهبو المال العام والخاص، وتتضخم أرصدتهم المصرفية التي يمتد خيرها وسع دائرة المصالح، ليتناسل المجتمع لصوصاً أبناء لصوص.

 

فالفساد جريمة متواصلة، في حين ان ادعاء مكافحته ظاهرة موسمية غرضية للنيل من الخصوم او ترويض من لم ينبطح بالكامل ويبصم بالعشرة.

 

ولعل في قضية “كسارات فتوش” عبرة في دولة تفتقد من يعتبر. فقد فُتِح ملف هذه القضية منذ العام 2005، مع قرار باقفالها، ليرفع أصحابها دعوى عبر مجلس شورى الدولة، مطالبين بتعويض قدره 250 مليون دولار اميركي، ويربحوا دعواهم. لكن وزير المال، آنذاك، جهاد أزعور طلب مراجعة الحسابات الضريبية لآل فتوش التي تبين ان شركتهم خاسرة في الدفاتر ولا تسدد ضرائب الى الدولة بموجب ذلك، بالتالي مطالبتها بالتعويض باطل بُنِيَ على باطل. ما دفعه الى الطلب من التفتيش المركزي التحقيق في قرار مجلس شورى الدولة، وأصدر التفتيش مذكرته بحق القضاة الثلاثة الذين قضوا بدفع التعويض الى أصحاب الكسارات الخاسرين والمطالبين بتعويض عن أرباحٍ جراء قطع أرزاقهم.

 

بالطبع بقي القرار حبراً على ورق، واثنان من القضاة الثلاثة انهيا خدمتهما وتقاعدا.

 

وها هو التاريخ يعيد نفسه. فبعد قرار القاضية غادة عون توقيف العمل في الكسارات الفتوشية، يطالب أصحاب الكسارات الدولة بتعويضات تتجاوز قيمتُها النصفَ مليار دولار عبر دعوى مقامة في الولايات المتحدة.

 

والنكتة ان من يدعي حمل لواء مكافحة الفساد كفعل من أفعال المقاومة، يقف الى جانب شركة فتوش المتهربة من الضرائب عبر الخسارات الدفترية، كما ذُكِر في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، ويساعد أصحابها للاستيلاء على تعويضات تُنكِب المالية العامة للدولة، ولا يكترث بتصنيف وكالة “فيتش” الائتماني المنذر بانهيار الاقتصاد، على اعتبار ان السرعة في هذا الانهيار تحمل خيراتها للدويلة المتحكمة بقرار السلم والحرب والمسيطرة على المرافئ والمعابر، بانتظار ان تتحكم بما هو أكثر من خلال نسف اتفاق الطائف والانقلاب على الدستور، وتنهيب الداعمين لهذه المسيرة المجيدة وتخويف المناوئين لمشروع رأس ممانعتها.