IMLebanon

بين الغرامات المالية والسَجن… قانون حديث للسير يضع حَدّاً للموت المجاني

لم يكن قد صدَر قانون السير الجديد بعد، يوم أبكى حبيب الحاضرين في احتفال التخرّج، لحظة تقدّمَ شخصياً نحو منصّة توزيع الشهادات، يحمل في يدٍ باقة ورد أبيض، وفي الأخرى صورةَ وحيدتِه، ليتسلّم شهادتها الجامعية بعدما فارقت الحياة إثر تعرّضِها لحادث سَيرٍ قبل يومين من موعد تخرّجِها. هل سينجح قانون السير الجديد في وضع حدٍّ للموت المجاني؟ ما هي أبرز التغييرات التي سيفرضها؟ ما هو حجم الغرامات؟

إجتماعات متلاحقة، تدريبات مكثّفة، دورات، متابعات، إتصالات، إستفسارات، حال إستنفار تشهدها مؤسسة قوى الأمن الداخلي مع اقتراب موعد تطبيق قانون السير الجديد في نيسان، بعد أعوام من الأخذ والردّ بين الأطراف المعنيين مِن سياسيين، مديرين، نقابيين، جمعيات غير حكومية…

«هو قانون ثورويّ، عصري جديد، يواكب كلّ التطورات في العالم، هدفُه الحفاظ على حياة المواطنين، وتحديداً تخفيف عدد القتلى».

بنبرةٍ حاسمة، يتحدث رئيس شعبة العلاقات العامة في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي المقدّم جوزف مسلّم لـ«الجمهورية»، عن قانون السير الجديد الذي انطلقَ العمل به، مذكِّراً بأنّ «التحضير للقانون بدأ منذ العام 2004، حتى العام 2012، إنّما بوتيرة متقطّعة، نتيجة الأوضاع الأمنية والخضّات، والظروف التي عاشَها لبنان، بعدما كنّا نعيش على أنقاض قانون يعود للعام 1976».

أبرز التغييرات

ينطوي قانون السير على 420 مادة، بالإضافة إلى مجموعة من الملاحق، يتركّز معظمها على السلامة المرورية. أمّا أبرز التغييرات الوقائية التي استحدثها، وهي رَدعية بحقّ السائقين، فيَذكر مسلّم منها: «حزام الأمان بات إلزامياً للمقاعد الخلفية وليس فقط الأمامية.

يُحظر على الأولاد الوقوف قرب النافذة، أمّا الاطفال دون خمس سنوات فملزمون بكرسيّ خاص لهم يُثبَّت في المقاعد الخلفية. يمنع على السائق الأكل والشرب والتدخين أثناء القيادة، خصوصاً سائقي الباصات المسؤولين عن أرواح الركّاب».

ويتوقف مسلّم عند السرعة الزائدة، قائلاً: «باشرَت مفارز السير في قوى الأمن الداخلي تطبيقَ قانون السير الجديد لجهة ضبط مخالفات السرعة الزائدة بواسطة الرادارات المتحرّكة للسيارات التي تزيد سرعتها عن 60 كلم/س للسرعة المسموح بها، على سبيل المثال: إذا كانت السرعة المسموح بها 50 كلم/س تضاف إليها 60 كلم/س فتصبح 110 كلم/س، عندها تصبح مخالفة من الفئة الخامسة وتراوح غرامتها بين مليون و3 ملايين إضافةً إلى حجز الآلية، وسيُضاف في شهر نيسان عقوبة السجن من شهر إلى سنتين».

ومن بين التعديلات التي فرضَها القانون، يَلفت مسلّم إلى «إستحداث شهادة إمتياز في المعهد التقني لكلّ من يدرّب على تعليم القيادة، وخفض رسوم إعادة إمتحان السَوق لتشجيع السائقين على احترام الامتحان وإعادته في حال الرسوب»، مشيراً إلى تنظيم رخَص السوق بحسب الفئة، «فالذي يقود سيارة أوتوماتيك سيخضع لامتحان على سيارة أوتوماتيك، ووفق نوع المركبة التي سيقودها لاحقاً، وقد تمّ الفصل بين درّاجة نارية صغيرة أو كبيرة أو حتى ATV، فلكلّ نوع مركبة رخصة محدّدة».

للمشاة حصة

نظراً إلى أنّ 40 في المئة من قتلى حوادث السير في لبنان هم من المشاة، أَولَى القانون أهمّية كبرى لهذه الفئة من المواطنين وفرَض عليها غرامات ماليّة في حال المخالفة.

يوضح مسلّم: «لم يعطِ القانون الأولوية للمركبات إنّما للمارّة، كونهم الحلقة الأضعف على الطريق، لذا تمّ تحديد فصلٍ بكامله لشرعة حقوق المشاة، وُضِعَت لهم إرشادات لمعرفة التصرّف أمام مستديرة على سبيل المثال، أو إلزامية ارتداء سترة مضيئة للعاملين والمتجوّلين ليلاً، ومنع عبور الأوتوسترادات، والأهمّ أنّه تمَّ تحديد غرامة ماليّة تتراوح بين 20 و30 ألف للمشاة المخالفين، لتصلَ إلى 50 و100 ألف في حال التأخّر عن التسديد». وأضاف متأسّفاً: «في لبنان بلغَ معدّل عدد القتلى الجنائيّين شهرياً 15، أمّا قتلى حوادث السير فيصل إلى 60 أو 70 قتيلاً».

لم يقتصر القانون فقط على منحى حفظ سلامة المشاة والسائقين والركّاب، إنّما شملَ المنحى التنظيمي، الإداري، اللوجستي، لدوام حفظِ السلامة المرورية. يوضح مسلّم: «أقرَّ القانون استحداثَ هيئة قيادية مكوّنة من المجلس الوطني للسلامة المرورية، برئاسة رئيس الحكومة وعضوية كلّ من وزراء الداخلية، الأشغال العامة والنقل، التربية، والعدل، يجتمعون مرّة كلّ 3 أشهر، وعندما تقتضي الحاجة.

بالإضافة إلى اللجنة الوطنية التي تضمّ نقابيين، مديرين… وأمانة سر دورُها متابعة العمل اليومي، ومراقبة كلّ ما يُعنى بالسلامة المرورية والمؤسسات والإدارات المعنية، فتُقدّم مشاريع واقتراحات». وأضاف: «كما حَدّد القانون ضرورة إنشاء وحدة مرور متخصّصة في قوى الأمن الداخلي، بالإضافة إلى معهد مروري».

ماذا عن الجهوزية؟

لا يُنكر مسلّم أنّ التحدّي كبير، والرهان أصعب من أيّ وقت مضى، بعدما تخطّت نسبةُ قتلى حوادث السير المعقولَ في الأعوام الأخيرة، وبلغ عدد مخالفات السرعة المضبوطة «الألف يومياً»، ويقول: «لن نقفَ مكتوفين حيال الموت المجاني، وقد حدّد القانون شهر نيسان موعداً لتطبيقه.

لا ندَّعي أنّ كلّ الأمور ستكون جاهزة لا من حيث عديدنا ولا عتادنا، سنبدأ كما نحن، تدريجياً تستتبّ الامور وتؤلّف الوحدات المفروضة، ويبلغ الالتزام أعلى درجاته.

من جهتِنا، بدأنا منذ أشهر تدريبَ نواة في القوى الأمن من ضبّاط وعناصر على السلامة المرورية ليتمكّنوا من تطبيق القانون الحديث وحماية المواطنين»، مشيراً إلى «وجود تأخّر إداري لنحوِ عام نتيجة الوضع السياسي والأمني».

ويلفتُ مسلّم إلى أنّ حملات إعلانية ضخمة ستنطلق في الفترة المقبلة لتوعية المواطنين على القانون، و«قد سبق أن أطلقنا حملة #أنا سائق مسؤول»، وغيرها من الانشطة والرسائل عبر صفحاتنا الإلكتررونية».

بين النقاط وسَحب الرخصة

من جهته، يتوقّف أمين سر «اليازا» التي ساهمَت في وضع القانون، كامل إبراهيم المتخصّص في إدارة السلامة المرورية، عند 3 نقاط فرضَها قانون السير، أوّلها التخصّص، قائلاً: «بات التخصّص إلزامياً في مختلف الميادين، بدءاً ممَّن يُعلّم القيادة، مروراً باللجنة المشرفة على الامتحانات وصولاً إلى العناصر الامنية المولجة تنظيمَ السير، وهي الأساس لضمان سلامة المرور.

على سبيل المثال معظم رجال الشرطة الذين ينظّمون السير، هم أنفسُهم يطاردون مهرّبين، وينفّذون محاضر مخالفة، وغيرها من المسؤوليات، أضِف إلى أنّ عدداً من المناطق تفتقر إلى مفارز السير وتعتمد على الفصيلة، فيزيد الضغط حيال تشعّب المسؤوليات… ولكن بفضل القانون الجديد بات شرطيّ السير مولجاً فقط بتنظيم السير وحفظ سلامة السائق والمارّة والركّاب، من هنا أهمّية تدريب عددٍ كافٍ من العناصر على القانون الجديد لمعرفة تطبيقه».

إلى جانب التخصّص الذي فرضَه القانون على المعنيّين، فقد أوجَد رادعاً أساسياً، إذ منحَ السائق 12 نقطة في رصيده، تُسحَب منه تبعاً لطبيعة الأخطاء التي يرتكبُها أثناء القيادة. في هذا الإطار، يوضح إبراهيم: «تحسَم النقاط بحسب حجم المخالفة المرتكبة. على سبيل المثال يخسر مَن يسوق الدرّاجة بلا خوذة 3 نقاط، أو كلّ مَن يتحدّث على الهاتف، أمّا من يقود تحت تأثير الكحول، فتُحدّد النقاط بحسب مستوى الكحول في دمِه، وإذا كان مدمِناً تسحَب منه رخصة السوق».

غرامات تصاعدية

حدَّدَ القانون كلفة جديدة لغرامات المخالفة ولكن في الوقت عينه قدّمَ الحوافز. يلفت إبراهيم إلى أنّ «كلّ مخالفة تنتمي إلى فئة محدّدة، لها رسم ماليّ واضح، فمن لا يلتزم وضعَ حزام الأمان يُغرَّم بين 350 و450 ألف، إذا دفعَ المخالف في أوّل 15 يوماً يُحسَم له لتشجيعه، فلا يدفع إلّا 200 ألف، أمّا بعد مضيّ الـ15 يوماً فيدفع 300 ألف، ولكن بعد مرور شهر يُحال إلى محكمة الضبط، لترتفعَ الغرامة إلى 350 و450 وفقَ ما يُحدّده القاضي، وبذلك يتشجّع المخالفون على دفع الغرامات أسرع».

أمّا بالنسبة إلى مَن يتجاوزون السرعة المحدّدة، فيلفت إبراهيم إلى «أنّ حجم الغرامة يختلف بحسب مستوى السرعة المتخطّاة، إذ قد يخسر السائق كلّ النقاط في رصيده». ويضيف: «أمّا مَن لم يحترم الإشارة الضوئية أو دخلَ عكسَ السير، فتتراوح كلفة غرامتِه بين 500 و700 ألف».

ويشير إبراهيم إلى حوافز أعطاها القانون للشرطي، قائلاً: «قد يشعر الشرطي أنّه مظلوم مقارنةً مع زملائه في القطاعات الأخرى، ومقارنةً مع زملائه في المكتب، لذا منحَه القانون حوافز ماليّة لعنصر السير تصل إلى 30 في المئة من أساس الراتب، و 40 في المئة للدرّاج، نظراً إلى المخاطر والظروف الصعبة التي يعيشها الشرطي في وظيفته، بذلك لا يترّدد أيّ شرطيّ في تنظيم محضر مخالفة أو الوقوع في فخّ الرشوة».

في وقتٍ يَعتبر إبراهيم أنّ «القانون ليس إلّا أداةً للسلامة المروريّة، ولا يُمكن خَفض حوادث السير بلا خطّة وطنيّة شاملة مدعومة حكوميّاً على المستوى القرار والتمويل»، لا يُخفي المراقبون خشيتهم من صعوبة تطبيق القانون، ليسَ في شهر نيسان فقط، بل على مدار أشهر السنة، على طريقة «إذا مش التنين، الخميس»… وذلكَ لأسباب عدّة، أبرزها غياب آليّة واضحة لصيانة الطُرق التي تفتقر أدنى معايير السلامة المرورية من تعبيد إلى إنارة… فضلاً عن تأخّر إقرار وحدة مرور، وغيرها من الوحدات التي أشار إليها القانون… سلامة المواطنين ما عادت تحتمل مزيداً من الإختبارات.