IMLebanon

ما بين «جنيف 1» و«مبادئ موسكو»

على رغم المحاولات الحثيثة التي قام بها الديبلوماسيون الروس لإنجاح «مشاورات موسكو»، إلّا أنها لم تأتِ بالحدّ الأدنى من النتائج المرجوّة، في اعتبار أنّ ما خلصت اليه أقلّ بكثير من تطلّعات الشعب السوري.

ما إن انتهت جولة موسكو التشاورية حتى انكبّ المعنيون في الخارجية الروسية على قراءة ما توصّلت اليه، ووفق مصادر سياسية روسية فإنّ هذه الجولة لم تُحقّق كثيراً على طريق تذليل العقبات أمام الحلّ السياسي في سوريا. الأمر الذي يطرح تساؤلات كثيرة عن جدوى الإعداد لجولة ثانية نهاية الشهر الجاري.

لا شكّ في أنّ المتابع للجهود الدولية الهادفة الى حلّ الازمة السورية يلحظ تراجعاً كبيراً بين «بيان جنيف 1»، و»مبادئ موسكو العشرة». ففي الوقت الذي كان فيه السوريون يناقشون برعاية أمميّة نهاية حزيران 2012 في جنيف الخطوات العملانية لإنتاج هيئة حكم انتقالية، وطريقة بناء سوريا في المستقبل، عادوا الى نقطة الصفر في موسكو، إذ إنّ المبادئ التي نتجت عن لقاءاتهم لا تتعدّى حدود «درس في الإنشاء» للمراحل الابتدائية.

فالحفاظ على وحدة سوريا ووحدة أراضيها، ومواجهة الإرهاب الدولي بكلّ أشكاله، وحلّ الأزمة بطرق سياسية وسلمية على أساس «جنيف 1»، وأنّ الشعب السوري يُقرّر مصيره بطريقة ديموقراطية، وعدم قبول أيّ تدخل خارجي في الشؤون السورية، والحفاظ على مؤسسات الدولة، وضمان السلم الاجتماعي والمشاركة السياسية لكلّ مكوّنات الشعب السوري، وسيادة القانون ومساواة المواطنين أمامه، ووقف احتلال الجولان ورفع العقوبات عن الشعب السوري، هي محط إجماع بين الاطراف السورية كافة منذ بدء الازمة.

وهنا يبرز السؤال عن جدوى إصدار تلك المبادئ بما أنها لم تكن في موقع الخلاف؟ ألم يكن الأحرى بالقائمين على جولة موسكو أنْ لا يعلنوا تلك المبادئ، خصوصاً أنهم حرصوا في الأساس على تسميتها مشاورات، وبالتالي فإن ذلك لا يرتّب عليها أيّ التزامات؟

مصادر سورية معارضة تؤكد أنّ جولة موسكو فشلت بالمعايير كافة، وأنّ المعنيين الروس وقعوا في الفخ الذي أعدّه ممثلو النظام بإدراج بند «رفض أيّ وجود عسكري أجنبي في أراضي سوريا من دون موافقة حكومتها»، وبما أنّ ذلك يتطلّب موافقة الحكومة السورية دون غيرها، فإنه يأتي لتشريع الوجود العسكري الأجنبي الذي يقاتل الى جانب النظام في البلاد.

وتستغرب المصادر وقوع موسكو في هذا الفخ الساذج، علماً أنّ الديبلوماسيين الروس خلال لقاءاتهم مع أطراف المعارضة للتحضير لجولة موسكو، أكدوا أهمية تقديم التنازلات من اجل تنظيم حوار متوازن يضمن مشاركة كلّ القوى السورية في القرارات الاساسية المتعلقة بمصير البلاد.

وتؤكد المصادر أنّ الجانب الروسي أدرك منذ اليوم الاول أنّ هذه المشاورات لن تؤدّي الى نتائج تُذكر في ظلّ مقاطعة عدد من الفصائل والشخصيات السورية المعارضة لها، لذلك فإنّ الوسيط الروسي حاول حصر «المبادئ»، بعناوين غير خلافية، وذلك في محاولة لاستقطاب المقاطعين الى جولة موسكو الثانية. وتكشف المصادر أنّ موسكو أوكلت إلى بعض المشاركين الذين وقّعوا اتفاق القاهرة مهمة إقناع الائتلاف السوري المعارض بالمشاركة في الجولة المقبلة، وقدمت وعوداً بفتح كلّ الملفات على الطاولة وبلا تحفظ.

وتوضح المصادر أنّ المعارضة أبلغت إلى الروس أنّ حضور ممثلين عن الائتلاف مرهون بحزمة ضغوط روسية على النظام السوري ليُقدِّم بعض التنازلات المحدَّدة في سبيل إطلاق حوارٍ جديّ ومنتج، وفي مقدمها الإفراج عن المعتقلين السياسيين ووقف استخدام البراميل المتفجِرة في المناطق الواقعة تحت سيطرة «الجيش السوري الحر» وفصائل المعارَضة الأخرى.