Site icon IMLebanon

بين الحريري وباسيل أم بينهما والآخرين جميعاً؟

 

سياسة   في الواجهة  

 

لم يصدّق أحد أن الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل تصالحا أمس. الرجلان اللذان لا يختلفان، المولعان بإثارة الغبار من حولهما، اتفقا على القول إن ثمة مَن حاول افتعال خلافاتهما، مع أنهما وفريقيهما أطلقا السجالات

 

ليس ثمة حليفان على هذا القدر من التفاهم كرئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل. لا مشكلة بينهما، مقدار الكمّ الذي لا يُستهان به من المشكلات والصعوبات مع الافرقاء الآخرين، باستثناء حزب الله. أما الآخرون، فهم الاخصام الفعليون للرجلين في الحكم والشارع. لم يعد مبهماً، ولا ملتبساً، الاعتقاد انهما يطبّقان تسوية 2016 بحذافيرها، بما في ذلك عندما يختلفان في مجلس الوزراء وخارجه. لذا، قلما يشعر أحد ان كلاً منهما في حاجة الى حلفاء الى جانبه.

على مرّ الحملات المتبادلة بين تياري الحريري وباسيل، في الاسابيع الاخيرة، لم يطعن اي منهما في التسوية تلك، ولا في استمرارها. بل بدت في الواقع انها المعادلة السياسية الاكثر ثباتاً وصلابة منذ مطلع العهد. هي نفسها تماماً حاول الحريري ابرامها مع النائب السابق سليمان فرنجيه في باريس في تشرين الثاني 2015، وسقطت في بضعة ايام بسبب موقف حزب الله من الاستحقاق الرئاسي. ثم أُعيد بناؤها بين الحريري وباسيل في باريس ايضاً، وأفضت الى الخاتمة السعيدة. التسوية تلك عطّلها حزب الله عندما ادخلت فرنجيه فيها في توقيت ناقض تمسكه بالرئيس ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ثم نجحت عندما طابقت التوقيت الصائب، ما جعل حزب الله الشريك الفعلي في التسوية دونما الظهور في صدارتها.

 

 

ما لم يرثه الحريري من والده، أن يكون الشخصية التي لا يُستغنى عنها (هيثم الموسوي)

 

على نحو كهذا، من السذاجة بمكان الظن ان ما حصل في تشرين الاول 2016 هو من صنع الفريقين القويين في طائفتيهما، المسيحي والسنّي، فقط. الضامن الآخر له كان الفريق الشيعي. لا يصعب اذذاك اكتشاف فاعلية الشريك الثالث في معادلة التسوية، فلا يظهر على الملأ الا في لحظات الاهتزاز. في الثلث الاول من الولاية كمّ من لحظات اهتزاز دخل عليها حزب الله فأعاد اليها التوازن، منها تطبيق النسبية في قانون الانتخاب ومن ثم اجراء الانتخابات النيابية، وقرار اقتلاع الارهاب المتشدد من الجرود الشرقية مستبقاً الجيش اليه، ومراحل تأليف الحكومة الثانية للحريري عندما تصرّف حزب الله على انه مفاوض رئيسي في كل مفاصلها وضابط توازنات التمثيل، بما فيها المقعد السنّي السادس. لا يُغفل ايضاً دوره ابان احتجاز الحريري في الرياض عام 2017، ولا تشجيعه على الانفتاح والتواصل مع نظام الرئيس بشار الاسد. ما توخاه حزب الله من المعادلة الصائبة، المسماة تسوية 2016، حاجته وهو يواصل دوره الاقليمي في الصراعات العربية – العربية والعربية – الايرانية الى الضمان المزدوج: عون رئيساً للجمهورية يدافع عن سلاحه، والحريري رئيساً للحكومة لاستيعاب اي محاولة لإحداث نزاع سنّي – شيعي في الداخل.

من اجل ذلك كله، ربما، لم تجبه تسوية 2016، منذ يومها الاول الى الآن، اي سبب لسجال او اشتباك داخلي تناول سلاح المقاومة، او تعريض الحريري كما حكومته للانهيار. بدوره الاشتباك المفتعل على الصلاحيات الدستورية كان غير ذي جدوى. لم يجهر الحريري يوماً ان رئيس الجمهورية اعتدى على صلاحياته الدستورية هو كرئيس لمجلس الوزراء، ولا جارى القائلين ان الرئيس يجتهد في ممارسته صلاحياته. في ذروة لحظات انكفائه، لزم الصمت بإزاء تنامي دوري باسيل وحزب الله في مرحلة تأليف الحكومة.

على اهمية ذلك واولويته، ليس هذا فحسب هو كل تسوية 2016. فيها شق آخر ليس سراً بالتأكيد على حزب الله، من غير ان يبدو في العلن على الاقل انه في صلبه المباشر، هو ذلك الجانب الآخر المبرم بين الحريري وباسيل، الموازي لاستمرار الشراكة في السلطة بين عون والحريري طوال الولاية الحالية لرئيس الجمهورية، وعدم تخلي احدهما عن الآخر: البيزنس السياسي والاقتصادي.

بين الحريري وباسيل في تسوية 2016 بيزنس سياسي واقتصادي متلازمان

 

كلاهما متلازمان، واحدهما يوصل الى الآخر. في مفاوضات الحريري مع فرنجيه بداية، ثم مع باسيل، شاع – قبل ان يمسي حقيقة – ان اكثر من سبب حدا بالحريري الى القبول بالزعيم الزغرتاوي ثم بعون لرئاسة الجمهورية:

اولهما، حاجته الى عودته هو الى السرايا، بعدما أُجبر على مغادرتها قبل خمس سنوات، وتيقنه من ان تزّعمه الغالبية النيابية بعد انتخابات 2005 و2009 لم يكن سوى امتياز وهمي عديم الفاعلية، لم يقده الى ان يُصوَّر نفسه ـ كوالده الراحل ما بين عامي 1992 و1998 ـ على انه ضرورة لا يُستغنى عنه. وجوده في رئاسة الحكومة عام 2017 ايضاً مثّل الحصانة الدولية التي منعت من ملاحقته في السعودية، ولما تزل هذه الحصانة تضطلع بدور مماثل. كذلك افصحت له السرايا عن اهمية صمود زعامته السنّية بعدما اتسعت من حوله، قبل انتخابات 2018 وبعدها، شخصيات سنّية مؤثرة احتاج الى التحالف معها، او مجاراتها، على التوالي في الانتخابات البلدية والنيابية، كما الى الحذر من تلك التي تناصبه العداء. وخلافاً للرئيس الراحل رفيق الحريري الذي اختبر قوة الشارع السنّي معه خصوصاً عندما كان خارج الحكم، بالكاد بات في امكان الحريري الابن السيطرة على تيار المستقبل وهو لما يزل في السرايا. لعل المفارقة في ذلك ان الخارجين عليه هم رجال والده الراحل.

ثانيهما، حاجته الى اعادة تكوين ثروته من اجل تمكنه من استعادة السيطرة على زعامته على الشارع السنّي. مفتاح سرّي تعلّمه الحريري الابن من والده الذي دخل الى السرايا، في مرحلة انهيار اقتصادي ومالي عام 1992، على انه الشخصية الوحيدة القادرة على انتشال النظام اللبناني برمته. هي الصورة النمطية، المقلِّدة، يصبغها المحيطون بالحريري الابن عليه في الوقت الحاضر، بعدما عانى في السنوات القليلة الاخيرة من ضائقة مالية حادة، لم يتردد في ان يُفاخر ـ دعائياً على الاقل ـ بأن السياسة والحكم افلساه. الا ان ذلك ليس في الواقع عصارة تجربة الحريري الاب ونجاحه في السرايا.

مع ذلك عزا الحريري، في مؤتمره الصحافي الإثنين الفائت (11 حزيران)، «الغضب السنّي» الى زلات اللسان والبهورات والسقطات، في اشارة واضحة الى حليفه المتين وزير الخارجية. واقع الامر انه، قبل اشهر من انتهاء السنة الثالثة للعهد، لم يتمكن بعد من اقناع شارعه السنّي، ليس بحاجته الى تسوية 2016 وجدواها لديه ولدى زعامته فحسب، بل كذلك بتبرير تراجعه وانكفائه الى حد الاعتقاد ان الحريري الابن لا يريد ان يشبه الحريري الاب، بما في ذلك في لحظات ضعفه.