إشارة نصر الله عابرة أم.. معبر؟
ما بين «حزب الله» و«القوات».. قنافذ الشتاء!
إذا كان الخطاب الأخير للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله قد ركّز على محاولة ترميم الجسور المتصدّعة بين الحلفاء ولمّ شملهم المتفرق، فإن الإشارة الإيجابية التي وجّهها الى «القوات اللبنانية»، بقوله إنها تمثّل قوة أساسية لها قواعدها وأنه غير منزعج من تفاهم «التيار الوطني الحر» معها، سرعان ما تركت أصداء إيجابية في معراب، برغم «التلطيشات» الضمنية لـ «القوات»، في مكان آخر من الخطاب نفسه.
وقد سارعت معراب، عبر النائب جورج عدوان و «الوزير المقبل» ملحم الرياشي الى ملاقاة تحية نصر الله، وتأكيد استعداد «القوات» للانفتاح على الحزب، ومبادلته الايجابية، علما انها كانت تشكو في السابق من انه لا يُقابل يدها الممدودة بمثلها.
ولكن.. هل يمكن ان يُبنى حوار او مشروع تفاهم على هذه الاشارات المتبادلة، ام انها مجرد «مجاملات» سياسية عابرة، لا تحتمل الكثير من التأويل؟
وهل توجد فرصة حقيقية لكسر «الجليد الساخن» الذي يكسو طريق معراب ـ حارة حريك، في ظل خلافهما العميق حول خيارات إستراتيجية بل وجودية، تبدأ من فلسفة سلاح المقاومة ولا تنتهي عند ضفاف الأزمة السورية؟
وإلى أي حد يستطيع الجانبان التحرر من أعباء الماضي المثقل بأزمة ثقة ومفاهيم، تمتد من التعريف المتناقض للموقع الإقليمي وللعدو والصديق وبالتالي لمعنى السيادة والاستقلال، وصولاً الى الافتراق حول مقاربة العديد من التحديات الوطنية وسبل مواجهتها؟
وكيف لـ «القوات» ان تتعايش مع ما تقول إنه «مشروع الأمة» الذي يحمله الحزب، وكيف لـ «حزب الله» أن يتقبّل مشروع «القوات» ـ النقيض، الذي يجد فيه عدائية شديدة؟
برغم حساسية هذه الأسئلة ـ الاختبارات، تتعاطى «القوات» مع «اعتراف» نصر الله بحجمها، على أساس انه موقف نوعي، قد يفتح الباب امام بداية تفاعل بين الطرفين، من شأنه إذا تطور مع الوقت ان ينظّم الخلاف حول القضايا الكبرى، ويستثمر القواسم المشتركة.
ويؤكد مصدر قيادي في «القوات» أن المشهد السياسي بعد كلام نصر الله الأخير هو إيجابي ومريح، لافتاً الانتباه الى أنه لا يمكن إلا تلقّف الإيجابية التي صدرت عنه، والبناء عليها، «خصوصاً أننا في الأساس اصحاب يد ممدودة».
ويتكتم المصدر على تحديد طبيعة الخطوة اللاحقة لـ«القوات»، وكيف ستردّ على موقف نصر الله، ملمحاً الى أن أي نقاش مفترض حول مستقبل العلاقة مع الحزب في المرحلة المقبلة، قد يتم في الكواليس بشكل أساسي.
ويشبّه المصدر واقع الحال بين «القوات» و «حزب الله»، بـ«سلوك القنافذ في الشتاء»، إذ أنه «كلما اقترب أحدها من الآخر سعياً الى الدفء واتقاء الصقيع، انفضّا سريعاً بفعل تضايقهما من وخز الشوك الذي يلفّهما، فإذا ابتعدا أحس كلٌ منهما بالبرد مرة أخرى، وهكذا دواليك، الى ان يقفا في نقطة مدروسة تسمح لهما بتفادي الشعور بالبرد ووخز الشوك»، على حد سواء.
وتعتبر أوساط مسيحية متحمسة لخيار التقريب بين معراب وحارة حريك أن خلافهما الحاد في شأن قضايا أساسية، يجب ألا يخفي حقيقة أخرى وهي ان هناك نقاط التقاء تجمعهما، لكن غبار الصراع الإستراتيجي كان، ولا يزال، يطمسها ويمنع تظهيرها بالشكل المطلوب.
وتلفت الأوساط الانتباه الى أن «حزب الله» و «القوات اللبنانية» يتشابهان أصلاً على مستويي التنظيم المحكم والتركيبة الاجتماعية لقواعدهما، الأمر الذي من شأنه ان يُسهّل عليهما ان يفهم او يتفهم أحدهما الآخر، حتى لو لم يتمكنا من التوصل الى اتفاق سياسي.
وتشدد الأوساط على ان الطرفين يتشاركان في رفض الفساد بكل أشكاله والمناداة بتحقيق الإصلاح الجذري، وهذه أرضية مشتركة يمكن الانطلاق منها نحو حد أدنى من التعاون في مضمار الساحة الداخلية، معتبرة ان التجربة أثبتت ان وزراء الجانبين، على سبيل المثال، لم يحصل ان تورطوا بأي ارتكابات او مخالفات.
وتشير الاوساط الى ان الواقعية السياسية تقتضي الإقرار بأن هناك قوتين وازنتين تختلفان في العديد من القناعات لكنهما لا ترتديان أقنعة، لافتة الانتباه الى ان هاتين القوتين تتواجدان فوق ارض لبنانية واحدة، وبالتالي فهما محكومتان بواحد من خيارين: الصدام العبثي أو الحوار الذي قد يمهّد لسلام الشجعان، ومن الطبيعي ان يُعطى الخيار الثاني كل الفرص الضرورية لمحاولة إنجاحه.