أجمَعت الأطراف المعنية بالحرب السورية على أنّ إحياء «هدنة الأضحى» بات أمراً مستحيلاً أكثر من أيّ وقت مضى، وأنّ العمليات العسكرية تجاوزت مساعي التهدئة. وظهر أنّ ما تلقيه «طائرات حميميم» من «حمم» على حلب وحندرات قد علّق كلّ المبادرات الدولية والأممية وفتح الباب على مواجهة محتومة بين القيصر الروسي ونظرائه في دول الحلف الدولي. فما هي السيناريوهات المتوقعة؟
أطلقت المبارزة التي شهدتها جلسة مجلس الأمن الدولي مساء الأحد وخُصصت للبحث في الحصار على الأحياء الشرقية من حلب، أولى الإشارات الى مواجهة مفتوحة بين موسكو وحلفائها من جهة والعواصم التي دعت اليها واشنطن وباريس ولندن ومن خلفها دول الحلف الدولي من جهة أخرى.
وفتحت التكهنات حول سيناريوهات لا يمكن التكهن بما يمكن أن تؤول اليه في حال تمادت هذه الدول ولا سيما روسيا في استخدام مختلف أنواع أسلحتها الأكثر تدميراً من دون أيّ رادع رغم التهديد والتحذيرات اللذين أطلقتهما دول الحلف والمراجع الدولية والأممية.
في الدوافع المعلنة التي قادت الى جلسة مجلس الأمن الإستثنائية، قال الداعون اليها ومعهم الأمين العام للأمم المتحدة وموفده الى المنطقة إنه لا يمكن القبول بما ارتكبته سوريا وروسيا من «جرائم حرب» بحق المدنيين السوريين المحاصَرين، بما تستخدمانه من القنابل الحارقة والفراغية والعنقودية وتلك الإرتجاجية الخارقة للتحصينات من ترسانتهما المحرّمة دولياً بشكل غير مسبوق. لكنّ ذلك لم يحل دون استمرار العمليات العسكرية الروسية على هذا النحو الذي بقي قائماً رغم كلّ الإدانات الأممية والدولية.
كانت موسكو وحلفاؤها تحصي المواقف الدولية الرافضة لخططها التي أطلقتها في حلب دعماً لقوات النظام وحلفائه بعد ساعات قليلة على نعيها «هدنة الأضحى» على وقع اعتراف سفيرها لدى مجلس الأمن الدولي فيتالي تشوركين بأنّ «إحلال السلام في سوريا بات مهمة شبه مستحيلة الآن»، متّهماً واشنطن بأنها دعمت «جماعات إرهابية في سوريا وزوّدتها بالسلاح».
ولذلك لم تعر القيادة العسكرية الروسية أيّ اهتمام للإنتقادات الدولية التي قادت الى الجلسة الإستثنائية لمجلس الأمن وما رافقها من مواقف، فتجاهلت بداية مواقف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي «ذهل ولم يصدق ما سمعه عما يجري في حلب»، ولا مضمون ممثله المكلف بالأزمة السورية ستيفان دوميستورا امام اعضاء المجلس والذي قال «إنه لا يمكن اعتبار الـ270 الفاً من المدنيين المحاصَرين في حلب الشرقية جميعهم من الإرهابيين».
كما تجاوزت التهديد الأميركي بفرض منطقة حظر جوّي فوق المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية وقول سفيرة أميركا في الأمم المتحدة سامنثا باور «إنّ أفعال روسيا في سوريا أفعال وحشية وليست محاربة للإرهاب»، متهمة قوات النظام وروسيا بـ«تخريب ما بقي من مدينة حلب بمئات الغارات».
وصولاً الى اعتبار السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة فرنسوا دولاتر أنّ ما يجري في حلب يذكّرنا بما جرى في «سراييفو» البوسنية قبل عشرين عاماً، و«غيرنيكا» الإسبانية في ثلاثينات القرن الماضي. ولا قول نظيره السفير البريطاني ماثيو ريكروفت أنّ ما يجري يؤكد «أنّ روسيا شريك مع الحكومة السورية في تنفيذ جرائم حرب». وأنّ محاولات الولايات المتحدة وروسيا لإحلال السلام في سوريا «تقترب كثيراً جداً من نهايتها، وعلى مجلس الأمن أن يكون مستعداً للوفاء بمسؤولياته».
ما هو ظاهر للعيان أنّ القيصر الروسي فلاديمير بوتين الذي اطّلع على هذه المواقف لم يفكر في تعديل خططه العسكرية في حلب. بل بالعكس فموسكو تواصل تعزيز قدراتها العسكرية بوصول حاملة الطائرات الروسية «الأميرال كوزنيتسوف» باتجاه الساحل السوري والفرقاطة الروسية «الأميرال غريغوروفيتش» المحمّلة بصواريخ «كاليبر» المجنّحة، الى شرق المتوسط، فيما تشير المعلومات الى تعزيز الروس قدراتهم الجوّية في حميميم بطائرات «سوخوي 25» المتخصّصة بمهمات الدعم الجوّي القريب، والـ «ميغ 35»، المتعدّدة المهام، والتي سحبت قبل 65 يوماً من القاعدة إستغناءً عن خدماتها.
وكلّ ذلك بهدف تغطية الهجوم البرّي على حلب وقد شكلت الهدنة مسافة كافية لنقل مزيد من العديد والعتاد الى المنطقة بهدف استعادة السيطرة على مدينة حلب وأريافها رغم أنها لم تتمكن من البقاء في مخيم «حندرات» الفلسطيني أكثر من 18 ساعة قبل أن تخسره مجدداً بفعل صمود المعارضة الذي بني على توحيد قواها وما تملكه من أسلحة كاسرة لكلّ أشكال التوازن ما عدا الجوّية منها.
وبناءً على ما تقدم، تعتقد مصادر ديبلوماسية واسعة الإطلاع أنّ موسكو قررت المواجهة الى النهاية مع الولايات المتحدة ودول الحلف الدولي، غير مبالية بردات الفعل على أساس أنّ ما يمكن أن يتحقق على الأرض سيؤدّي الى فرض أمر واقع جديد يعيد النظر بالمواقف السلبية.
هذا إن لم تفقد هذه المواقف أهميّتها في تلك اللحظات التي تتغيّر فيها موازين القوى في حلب ومحيطها. لكن ما يرفع من منسوب القلق الدولي والأممي، أنه ورغم كلّ الضغوط العسكرية من كلّ الجهات والجبهات، لم يغيّر الهجوم البرّي من واقع الأمور كثيراً، وهو ما سيؤدّي الى إعادة نظر حتمية في الخطط الروسية بعدما انتهت اليه من ضحايا في صفوف المدنيين والمؤسسات الإجتماعية ومراكز الإستشفاء والدفاع المدني التي استُهدفت عن سابق تصوّر وتصميم والتي ألّبت الرأي العام الدولي ضدها.
وتنتهي المصادر الى القول إنه امام روسيا ساعات قليلة لتغيير الواقع على الأرض وإلّا ستكون أمام حائط مسدود إذ لا يمكنها الإستمرار باستخدام ترسانتها من الأسلحة من دون أن تحقق انتصاراً يبدو في نظر الجميع مستحيلاً الى حين، قبل أن تتغيّر المواقف وتتحرّك المحاور الأخرى. فإلى التحدي الأميركي بعدم قدرة الروس على إحراز أيّ تقدّم يُذكر تستعد تركيا لتزخيم وتوسيع عمليتها العسكرية في الشمال السوري في إطار السباق الذي انطلق بين النظام والأكراد والأتراك في اتجاه مدينة الرقة، فمَن سيسبق منهم الآخرين اليها.