Site icon IMLebanon

بين البراعة والعناد لِـمَن المستقبل المسيحي؟

بين البراعة والعناد لِـمَن المستقبل المسيحي؟

جعجع وعون وجهاً لوجه!

أثبت الدكتور سمير جعجع رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» براعة، تفوق براعة خصمه السياسي في الساحة المسيحية، والشخصية القوية المرشحة لانتخابات رئاسة الجمهورية، النائب العماد ميشال عون.

ولا تكمن البراعة، في حشر خصمه الدائم في الزاوية، في المسائل الوطنية، على الأقل، منذ أن تبرّع لتبني اقتراح المشروع الأرثوذكسي للانتخابات النيابية، ثم تراجع عنه، في اللحظة المناسبة، موفراً الفرصة لاستمرار التواصل مع حليفه البارز في الساحة الإسلامية الرئيس سعد الحريري.

أين تكمن براعة جعجع على حساب عون؟

 لعل هذا السؤال فرض نفسه على الأوساط العربية الدبلوماسية منها والقيادية، مع متابعة وقائع الزيارة، بالغة الأهمية للدكتور جعجع إلى المملكة العربية السعودية، ولقاءاته هناك مع قيادات بارزة في المملكة، في دائرة القرار السياسي والأمني، والقريبة من خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز.

تذكّر زيارة جعجع، والانفتاح العربي على زعيم مسيحي، كان حتى الأمس القريب، ملاحقاً، ومتهماً باغتيالات سياسية في الداخل، بالانفتاح العربي على زعيم القوات اللبنانية، والشخصية القوية على الساحة المسيحية غداة الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وترشح الرجل المسيحي الأقوى حينذاك للرئاسة الأولى، في ظل نظام 1943، أو ما كان يُعرف «بالميثاق الوطني».

على أن الأهم في المعادلة الراهنة، أن دول الاعتدال العربي، ولا سيما منها دول مجلس التعاون الخليجي، تنظر إلى جعجع اليوم، كشخصية مارونية، عربية، من المفيد الاستماع إليها، وجذبها إلى مواقع سياسية، تدور في إطار سياسات معروفة دولياً وإقليمياً.

من هذه الزاوية بالذات، يمكن القول أن جعجع نسج نوعاً من العلاقة، أو ضرباً من التحالفات، فتح أمامه الباب إلى النادي السياسي الساعي إلى الإمساك بمقدرات القرار العربي، في ظل تحولات بالغة التأثير اقتصادياً وسياسياً، وفي ما خص الملفات الساخنة، من ملف العراق، إلى الملف النووي الإيراني، مروراً بملف سوريا – الأسد، حيث يواجه النظام ضربات من النوع المصيري، وصولاً إلى ما يجري على جبهة فلسطين، من إعادة الصراع إلى أصوله الأولى، كعملية تحرير، واستعادة حقوق، ربما تكون فكرة الدولة الفلسطينية، المطروحة على المحافل الدولية، لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، أبرز أوراقها الصحيحة، وأبرز محطاتها النضالية في النصف الثاني من عقد العشرينات، من الألفية الثالثة، وبعد مرور ما يزيد على قرن كامل على اغتصاب فلسطين، سواء على مستوى الفكرة أو الكيان.

أليس قدرة جعجع أن يحجز مقعداً له في نادي الفاعلين العرب، براعة، لا يجوز التقليل من شأنها، في رسم أوراق إعادة حياكة اللعبة على الساحة المسيحية، المتفلتة حيناً، والمضطربة حيناً آخر، على وقع الإصرار اللبناني، الإسلامي، والإصرار العربي والإسلامي، على احتفاظ المسيحيين اللبنانيين بدور رائد في لبنان، والعالم العربي، كرد طبيعي على محاولات التهميش والترحيل، واللعب بمصائر المسيحيين في سوريا والعراق، وربما في بلدان أخرى في افريقيا وآسيا.

تمكن قائد «القوات اللبنانية» صاحب التجربة العسكرية والنضالية، سواء عندما كان مقاتلاً ثم قائداً عسكرياً «للقوات اللبنانية» أو بعدما انتقل إلى السجن، غداة اتفاق الطائف، والخلاف مع الجانب السوري، حول ما خص الانصياع لرغبات القيادة وقتها، وما ترتب على ذلك، من إجراءات كانت تتسابق، بين رغبة جعجع في نسف ما تمّ الاتفاق عليه من ترتيبات الوصاية أو اعتقال النظام المتحالف مع نظام دمشق حينها، في تحييد هذه الشخصية التي كانت توصف بأنها خطيرة عن مجريات الساحة، والفعل السياسي، ريثما يقضي الله امراً كان مفعولاً، تمكن هذا الرجل من اعادة وضع تنظيمه والذي كان يتهالك تحت تأثيرات شتى، على سكة القوى ذات التأثير في الساحة المسيحية.

والأهم من كل ذلك، أن الرجل أبدى مرونة في التعامل مع المتغيّرات، سواء المتعلقة بتراجع الدور المسيحي، على الصعيد الوطني، في محاولة لاستعادته، أو على الأقل للمشاركة في القرار الوطني، لا القفز فوقه، أو معاندته، أو التصدّي لها، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على نضج في الرؤية السياسية، جعلت جعجع حاضراً، سواء عبر التحالفات الثابتة مع تيار المستقبل، الكتلة السياسية الأقوى على الساحة الإسلامية السنية، أو عبر بقاء الخطوط مفتوحة مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، سواء في السياسة، وعلى مستوى القاعدة.

تمكن جعجع، من تسديد ضربة لخصمه العوني، بالسياسة، عندما ترشح للرئاسة الأولى، وقال انه ينسحب إذا ما توافر توافق من «نوع ما» على رئيس يملأ الفراغ، ولا يُبقي قصر بعبدا بلا رئيس، ولا يُخسر المسيحيين، الموقع الأول في الدولة اللبنانية، الأمر الذي يؤدي إلى إضعافهم، وإدارة البلاد، من دون إقامة حساب جدّي لرئيس الدولة.

وهذا الموقف على ما فيه، من جدية ومناورة في وقت واحد، حشر عون في زاوية ضيقة بين استمرار الفراغ، كأنه مسلم به، أو انتخابه للرئاسة الأولى، لاستعادة وهم غير قائم، يدعى زوراً حقوق المسيحيين.. في الشراكة والميثاقية، واتفاق الطائف، الذي عارضه، وخاض حرباً ضروساً لإسقاطه، سواء في الإلغاء ضد «القوات» أو «التحرير» ضد النظام السوري أيام الرئيس حافظ الأسد.

بين الدبلوماسية «والعنادية» يتقدّم جعجع على عون، وتتغير صورة المشهد تباعاً في الشارع، بحثاً عن مخارج لأزمات مستوطنة، في بلد بحجم لبنان، تدار فيه السياسة من الخارج، ويتصارع أهله، على جيفٍ، لا تقدّم ولا تؤخّر، عندما يخرج القرار إلى العلن.

من هذه الوجهة بالذات، ومن هذه العدسة بالذات، يمكن البحث عن آفاق اللقاء بين عون وجعجع؟!